للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٦ - وقال في آخر: كثيف الحاشية، معدود في جنس السائمة والماشية، تليت على العمال به سورة الغاشية، تولى الأشغال السلطانية فذعرت الجباة لولايته، وقامت قيامتهم لطلوع آيته، وقنطوا كل القنوط، وقالوا: جاءت الدابة تكلمنا وهي إحدى الشروط، من رجل صائم الحشوة، بعيد من المصانعة والرشوة، يتجنب الناس، ويقول عند المخاطبة: لا مساس، وعلى مسافة نجه، وتجهم وجهه، فكان خالطاً إساءته بإحسانه، مشتغلاً بشانه، غاضاً من عنان لسانه، عهدي به في الأعمال يقدر فيها ويدبر، ويرجح ويعبر، ويحبط وينبر، وهومع ذلك يكبر، ويحسن من الأزمنة ويقبح، وهويسبح، ولما شرع في البحث والتنقير، والمحاسبة على القطمير والنقير، أتاه قاطع الأجل، فحن ركابه فأقضى العجل، وصدرت عنه أبيات خضم فيها وقضم، وحصل تحت القدر المشترك مع من نظم.

٢٧ - وقال في آخر: كودن حلبة الآداب، وسنور عبد الله بيع بقيراط لما شاب (١) ، هام بوادي الشعر مع من هام، واستمطر منها الجهام، فجاء بأبيات أوهى من بيت العنكبوت نسجاً، ومقاصد لا تبين قصداً ولا نهجاً، وله بيت معمور بقضاة أكابر، فرسان أقلام ومحابر، وعمال قادوا الدهر بأزمة أزمتهم، وفرعوا الزهر بهمتهم، وتكاثرت عليه رحمه الله الإحن، وتعاورته المحن، وتصرف آخر عمره في بعض الأعمال المخزنية فتعلل بنزر القوت، إلى الأجل الموقوت.

٢٨ - وقال في آخر: معدود في وقته من أدبائه، ومحسوب في أعيان بلده وحسبانه، كان رحمه الله تعالى من أهل العدالة والخير، سائراً على منهج الاستقامة


(١) يشير إلى قول بعضهم:
كسنور عبد الله بيع بدرهم ... صغيراً فلما شب بيع بقيراط انظر الحيوان ٥: ٣١٥ وتعليق الجاحظ على البيت، والحاشية رقم: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>