صدح، وإن وصف، أنصف، وإن عصف، قصف، وإن أنشأ ودون، وتقلب في أفانين البلاغة وتلون، أفسد ما شاء الله وكون، فهوشيخ الطريقة الأدبية وفتاها، وخطيب حفلها كلما أتاها، لا يتوقف عليه من أغراضها غرض، ولا يضيع لديه منها مفترض، ولم تزل بروقه تتألق، ومعانيه بأذيال الإحسان تتعلق، حتى برز في إبطال الكلام وفرسانه، وذعرت القلوب بسطوة لسانه، وألقت إليه الصناعة زمانها، ووقفت عليه أحكامها، وعبر البحر منتجعاً بشعره، ومنفقاً في سوق الكساد من سعره، فأبرق وأرعد، وحذر وأوعد، وبلغ جهد إمكانه، في التعريف بمكانه، فما حرك ولا هز، وذل في طلب الرفد وقد عز، وما برح أن رجع إلى وطنه الذي اعتاده، رجوع الحديث إلى قتادة، وقد أثبت من نزعاته، وبعض مختراعاته، ما يدل على سعة باعه، ونهضة ذراعه، فمن النسيب قوله:
ما للمحب دواء يذهب الألما ... عنه سوى لمم فيه ارتشاف لمى
ولا يرد عليه نوم مقلته ... إلا الدنوإلى من شفه سقما
يا حاكماً والهوى فينا يؤيده ... هواك في بما ترضاه قد حكما ثم سردها. وقال في المديح:
إليك جد بي التسيار تأميلا ... فلي على فضلك المأمول تعويلا
الحمد لله حمداً لا كفاء له ... بسعد أيامك المأمول قد نيلا
يا راغباً مرتجاه دفع معضلة ... فصبره بصروف الدهر قد عيلا
ألمم بحضرة ملك كل مفتخر ... بالملك يويه بالتعظيم ترسيلا
فرع من الدوحة النصرية اجتمعت ... فيه الفضائل تتميماً وتكميلا
لديه مما لدى الصديق تسمية ... وميسم وكفاه ذاك تفضيلا وهي طويلة؛ انتهى.