أبقاكم الله تعالى تجلون من السعادة شمسا، وتصرفون في طاعته لساناً فرداً وبناناً خمساً: وصلني كتابكم الأشعث الأغبر، ومقتضبكم الذي أضغاثه لا تعبر، شاهدة بعدم الاعتناء أوضاعه، معدوماً إمتاعه، قصيراً في التعريف بالحال المتشوف إليها باعه، مضمناً الإحالة على خلي من معناها، غير ملتبس بموحدها ولا مثناها، سألته كما يسأل المريض عما عند الطبيب، ويحرص الحبيب على تعرف أحوال الحبيب، فذكر أنه لم يتحمل غير تلك السحاءة المغنية في الاختصار، المجحفة بحظي الأسماع والأبصار، فهمت بالعتب، على البخيل بالكتب، ثم عذرت سيدي بما يعتري مثله من شواغل تطرق، وخواطر تومض وتبرق، وإذا كان آمناً سربه، مهنا شربه، فهوالأمل، ويقنع هذا المجمل، وإن كان التفسير هوالأكمل، وما ثم ما يعمل، ووده في كل حال وده، والله سبحانه بالتوفيق يمده، والسلام.
وكانت للسان الدين رحمه الله تعالى مخاطبات كثيرة لسلطان الدولة وأعيانها، دلت على قوة عارضته في البلاغة، وقد أبلغنا بجملة منها في هذا الكتاب في مواضع ولم نكثر منها طلباً لاختصار أوالتوسط بحسب ما اقتضاه الباعث في الحال، والله سبحانه وتعالى يبلغ الآمال، ويزكي الأعمال.
٨٥ - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما كتبه عن السلطان أبي الحجاج يوسف بن نصر إلى سيد العالمين صلى الله عليه وسلم إثر نظم، ونص الكل هو:
إذا فاتني ظل الحمى ونعيمه ... فحسب فؤادي أن يهب نسيمه
ويقنعني أني به متكنف ... فزمزمه دمعي، وجسمي حطيمه
يعود فؤادي ذكر من سكن الغضا ... فيقعده فوق الغضا ويقيمه
ولم أر شيئاً كالنسيم إذا سرى ... شفى سقم القلب المشوق سقيمه
نعلل بالتذكار نفساً مشوقة ... ندير عليها كأسه ونديمه