وإذا أعوز الجسوم التلاقي ... ناب عنه تعارف الأرواح وهي طويلة لم يحضرني منها الآن سوى ما ذكرته.
وقد حذا حذوها الفقيه الكاتب أبوزكريا يحيى بن خلدون أخو قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون صاحب التاريخ، فقال في مولد عام ثمانية وسبعين وسبعمائة، واستطرد لمدح السلطان أبي حموموسى صاحب تلماسن الذي تقدم ذكره قريباً (١) :
ما على الصب في الهوى من جناح ... أن يرى حلف عبرة وافتضاح
وإذا ما المحب عيل اصطباراً ... كيف يصغي إلى نصيحة لاح
يا رعى اله بالمحصب ربعاً ... آذنت عهده النوى بانتزاح
كم أدرنا كأس الهوى فيه مزحاً ... رب جد من الجوى في المزاح
هل إلى رسمه المحيل سبيل ... يا حداة المطي تلك الطلاح
نسأل الدار بالخليط ونسقي ... ذلك الربع بالدموع السفاح
أي شجو عاينت بعد نواها ... من أسى لازم وصبر مزاح
أهل ودي إن رابكم برح وجدي ... من صبا بارق وبرق لياح
فاسألوا البرق عن خفوق فؤادي ... والصبا عن سقام جسمي المتاح
يا أهيل الحمى نداء مشوق ... ما له عن هوى الدمى من براح
طالما استعذب المدامع ورداً ... في هواكم عن كل عذب قراح
عاده بالطلول للشوق عيد ... من حمام بدوحهن صداح
من لقلب من الجوى في ضرام ... ولجفن من البكا في جراح
ولصب يهيجه الذكر شوقاً ... فهو سكراً يرتاد من غير راح
وليال قضيت للهو فيها ... وطراً والشباب ضافي الجناح
(١) أزهار: ٢٣٩.