للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عظيم الانطباع شره المذاكرة، فطن بالمعاريض حاضر الجواب، شعلة من شعل الذكاء تكاد تحتدم جوانبه، كثير الرقة فكه غزل مع حياء وحشمة، جواد بما في يده مشارك لإخوانه، نشأ عفّاً طاهراً، كلفاً بالقراءة عظيم الدّؤوب، ثاقب الذهن، أصيل الحفظ ظاهر النّبل، بعيد مدى الإدراك جيد الفهم، فاشتهر فضله وذاع أرجه وفشا خبره، واضطلع بكثير من الأغراض وشارك في كثير من الفنون، وأصبح متلقف كرة البحث وصارخ الحلقة [وسابق الحلبة] ومظنة الكمال، ثم ترقى في درج المعرفة والاضطلاع وخاض لجة الحفظ، وركض قلم التقييد والتسويد والتعليق، ونصب نفسه للناس متكلماً فوق الكرسي المنصوب، وفوق (١) المحفل المجموع، مستظهراً بالفنون التي بعد فيها شأوه من العربية والبيان [واللغة] وما يقذف به في لج النقل من الأخبار والتفسير، متشوفاً مع ذلك إلى السلوك مصاحباً للصوفية آخذاً نفسه بارتياض ومجاهدة، ثم عانى الأدب فكان أملك به، وأعمل الرحلة في طلب العلم والازدياد، فترقى إلى الكتابة عن ولد السلطان أمير المسلمين بالمغرب أبي سالم إبراهيم ابن أمير المسلمين أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب، ثم عن السلطان، وعرف في بابه بالإجادة.

ولمّا جرت الحادثة على السلطان صاحب الأمر بالأندلس، واستقر بالمغرب، أنس له وانقطع إليه، وكر في صحبة ركابه إلى استرجاع حقه، فلطف منه محله وخصه بكتابة سره، وثابت الحال ودالت الدولة وكانت له الطائلة، فأقره على رسمه معروف الانقطاع والصاغية كثير الدالّة، مضطلعاً بالخطة خطّاً وإنشاء ولسناً ونقداً، فحسن منابه واشتهر فضله وظهرت مشاركته وحسنت وساطته، ووسع الناس تخلقه، وأرضى للسلطان حمله، وامتد في ميدان النظم والنثر باعه، فصدر عنه من المنظوم في أمداحه قصائد بعيدة الشأو في مدى الإجادة، وهو بحاله الموصوفة إلى هذا العهد، أعانه الله تعالى وسدده.


(١) الإحاطة: وبين.

<<  <  ج: ص:  >  >>