للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه اجتهاده، وتومىء بما احتقبه من سوء مقاصده وماصرفه من قبيح أغراضه، وهاجت الفتنة، فكانت سفارته أعظم أسبابها.

وعند الأشدّ من عمره عرضت لأفكاره تقلبات، وأقعدته عن قداح السياسة آفات مختلفات، وأشعرته حدة ذهنه أن يتخبط (١) في أشراك وقعات، فقعد بجامع مالقة ثمّ بمسجد الحمراء ملقياً على الكرسي فنوناً جمة، وعلوماً لم يزل يتلقاها عن أولياء التعظيم والتجلة، فانحاز إلى مادة (٢) أمم بمالقة طما منهم البحر، وتراءى لأبصارهم وبصائرهم الفخر، وكان التفسير أغلب عليه لفرط ذكائه، وما كان قيده وحصله أيام قراءته وإقرائه، فما شئت من بيان، وإعجاز قرآن، وآيات توحيد وإخلاص، ومناهج صوفية تؤذن بالخلاص، يوم الأخذ بالنواص، ومراراً عدة سمع ما يلقيه وليّ الأمر، ويا شدة البلوى التي أذاقه مرّها، وأمطاه إلى طيّة الهلاك ظهرها، ويا قرب ما كان الفوت، والحسام الصّلت، من متباعد هذه القرب التي ألغيت (٣) .

قلنا: لقد جمح جواد القلم فأطلقنا (٤) ونحن نشير إلى هذا الرئيس (٥) وتبدل طباعه، بعد انقضاء أعوام شاهدة باضطلاعه، وإحراز شيم أدت إلى علوّ مقداره، واستقامة مداره، فآل عمر مولانا جدنا إلى النفاد، ورمت رئيس كتّابه هذا أسهم الحساد، فظهر الخفيّ، وسقط به الليل على سرحان، وقد طالما جرّب الوفيّ والصفيّ. وكان من شأنه الاستخفاف بأولياء الأمر من حجّاب الدولة، والاسترسال في الرد عليهم بالطبع والجبلّة، مع الاستغراق في غمار الفتن أندلساً وغرباً، ومراعاة حظوظ نفسه استيلاء وغصباً، أما الجراءة فانتضى سيوفها،


(١) الأزهار: أنه متخبط.
(٢) ق: مائدة.
(٣) الأزهار: من تباعد ... ألقيت.
(٤) يعني أطلقنا له العنان.
(٥) ق: الرائس؛ حيثما وقعت.

<<  <  ج: ص:  >  >>