للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفيلسوف - وقيل غيره - أمر الناصر بنصبه في وسط المجلس الشرقي المعروف بالمؤنس، ونصب عليه اثني عشر تمثالاً، بنى في قصرها المجلس المسمّى بقصر الخلافة، وكان سمكه من الذهب والرخام الغليظ في جرمه (١) الصافي لونه المتلوّنة أجناسه، وكانت حيطان هذا المجلس مثل ذلك وجعلت في وسطه اليتيمة التي أتحف الناصر بها أليون ملك القسطنطينية، وكانت قرامد هذه القصر من الذهب والفضّة، وهذا المجلس في وسطه صهريج عظيم مملوء بالزئبق، وكان في كل جانب من هذا المجلس ثمانية أبواب قد انعقدت على حنايا من العاج والآبنوس المرصّع بالذهب وأصناف الجواهر، قامت على سواري من الرخام الملون والبلّور الصافي، وكانت الشمس تدخل على تلك الأبواب فيضرب شعاعها في صدر (٢) المجلس وحيطانه فيصير من ذلك نور يأخذ بالأبصار، وكان الناصر إذا أراد أن يفزع أحداً من أهل مجلسه أومأ إلى أحد صقالبته فيحرّك ذلك الزئبق فيظهر في المجلس كلمعان البرق من النور، ويأخذ بمجامع القلوب، حتى يخيّل لكل من في المجلس أن المحلّ قد طار بهم، ما دام الزئبق يتحرّك، وقيل: إن هذا المجلس كان يدور ويستقبل الشمس، وقيل: كان ثابتاً على صفة (٣) هذا الصهريج، وهذا المجلس لم يتقدّم لأحد بناؤه في الجاهلية ولا في الإسلام وإنّما تهيأ له لكثرة الزئبق عندهم، وكان بناء الزهراء في غاية الإتقان والحسن، وبها من المرمر والعمد كثير، وأجرى فيها المياه، وأحدق بها البساتين، وفيها يقول الشاعر السميسر (٤) :

وقفت بالزّهراء مستعبراً ... معتبراً أندب أشتاتا

فقلت: يا زهرا ألا فارجعي ... قالت: وهل يرجع من ماتا؟


(١) في جرمه: سقطت من ك.
(٢) ق ط ج: في سمك.
(٣) ج ط: ضفة.
(٤) مخطوط الرباط: ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>