للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكده مخاتل، ولم يهب ذا حرمة، ولا داهن ذا مرتبة، ولا أغضى لأحد من أسباب السلطان (١) وأهله، حتى تحاموا جانبه، فلم يجسر أحد منهم عليه، وكان له نصيب وافر من الأدب، وحظ من البلاغة إذا نظم وإذا كتب.

ومن ملح شعره ما قاله عند أوبته عن غربته (٢) :

كأن لم يكن بينٌ ولم تك فرقةٌ ... إذا كان من بعد الفراق تلاق

كأن لم تؤرّق بالعراقين مقلتي ... ولم تمر كفّ الشّوق ماء مآقي

ولم أزر الأعراب في جنب أرضهم ... بذات اللّوى من رامةٍ وبراق

ولم اصطبح بالبيد من قهوة النّدى ... وكأسٍ سقاها في الأزاهر ساق وله أيضاً (٣) :

ماذا أكابد (٤) من ورق مغرّدةٍ ... على قضيبٍ بذات الجزع ميّاس

ردّدن شجواً شجا قلب الخليّ فهل ... في عبرة ذرفت في الحب من باس

ذكّرنه الزمن الماضي بقرطبةٍ ... بين الأحبّة في أمنٍ (٥) وإيناس

هم الصبابة لولا همّةٌ شرفت ... فصيّرت قلبه كالجندل القاسي وله أخبار تدل على رقة العراق، والتغذي بماء تلك الآفاق: فمنها أنّه خرج إلى حضور جنازة بمقابر قريش، ورجل من بني جابر (٦) كان يواخيه له منزل هناك، فعزم عليه في الميل إلي، وعلى أخيه فنزلا عليه، فأحضر لهما طعاماً، وأمر جارية له بالغناء، فغنّت:


(١) ك: أرباب.
(٢) انظر هذا الشعر أيضا في الجذوة وبغية الملتمس.
(٣) الشعر في الجذوة: ٧٠.
(٤) الجذوة: ويل أم ذكراي.
(٥) الجذوة: لهو.
(٦) الجذوة: بني حدير.

<<  <  ج: ص:  >  >>