للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد سئل يحيى بن يحيى عن لباس العمائم فقال: هي لباس الناس في المشرق، وعليه كان أمرهم في القديم، فقيل له: لو لبستها لاتّبعك الناس في لباسها، فقال: قد لبس محمد بن بشير الخز فما تبعه الناس فيه، وكان ابن بشير أهلاً أن يقتدى به، فلعلّي لو لبست العمامة لتركني الناس ولم يتبعوني كما تركوا ابن بشير.

وكان أول (١) ما نظر فيه محمد بن بشير - حين ولي القضاء - التسجيل على الخليفة الحكم في أرحي القنطرة إذ قيم عليه فيها وثبت عنده حق المدّعي، وأعذر إلى الحكم فلم يكن عنده مدفع، فسجّل فيها، وأشهد على نفسه، فما مضت مديدة حتى ابتاعها الحكم ابتياعاً صحيحاً، فسرّ بذلك، وقال: رحم الله محمد بن بشير، فلقد أحسن فيما فعل بنا على كره منّا، كان في أيدينا شيء مشتبه فصححه لنا، وصار حلالاً طيب الملك (٢) في أعقابنا، وحكم على ابن فطيس الوزير، ولم يعرّفه بالشهود، فرفع الوزير ذلك إلى الحكم، وتظلم من ابن بشير، فأومأ الحكم إليه أن الوزير ذكر حكمك عليه بشهادة قوم لم تعرّفه بهم، ولا أعذرت إليه فيهم، وإن أهل العلم يقولون: إن ذلك له، فكتب إليه ابن بشير: ليس ابن فطيس ممّن يعرّف بمن شهد عليه، لأنّه إن لم يجد سبيلاً إلى تجريحهم لم يتحرج عن طلب أذاهم في أنفسهم وأموالهم، فيدعون الشهادة هم ومن ائتسى بهم، وتضيع أموال الناس.

وأكثر موسى بن سماعة أحد خواصّ الأمير الحكم في ابن بشير الشكاية، وأنّه يجور عليه، فقال له الحكم: أنا أمتحن قولك الساعة، فاخرج إليه فوراً، واستأذن عليه، فإن أذن لك عزلته، وصدّقت قولك فيه، وإن لم يأذن لك دون خصمك ازددت بصيرة فيه، فليس هو عندي بجائر (٣) على حال، وإنّما


(١) الخشني: ٤٩.
(٢) في ق ودوزي: المسلك، وفي الخشني: " وطاب لنا ملكه ".
(٣) ق ودوزي: بجائز.

<<  <  ج: ص:  >  >>