للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: في غاية حمد الله ذاته بالآية وصلته بما بعده]

إنّ سورة الأنعام التي جاءت هذه الآية في فاتحتها تعدّ أصلاً عظيماً في محاجة المشركين وغيرهم من المكذبين والمبتدعين (١) ، وكانت هذه الآية هي بداية المحاجة لهم والردّ عليهم بما يبطل شركهم ويدحض ضلالهم.وافتتاحها بحمد الله ذاته الكريمة يعتبر أول سبل إقامة الحجة على المشركين الذين اتخذوا شركاء لله من أوثان وأصنام؛ ذلك أنّ هذه الجملة (الحمد لله) تفيد ـ كما بينت سابقاً ـ استحقاقه تعالى الحمد وحده واختصاصه به دون غيره، وبذلك فهي ردٌّ عليهم في حمدهم لأصنامهم وأوثانهم بما تخيّلوه من إسدائها إليهم نعماً ونصراً وتفريج كربات، وما اقتضاه ذلك من عبادتهم إياها؛ ولا ريب أنّ العبادة هي أقصى غايات الشكر الذي رأسه الحمد (٢) . ولهذا قال ابن جرير الطبري (٣) في هذا المقام: ((الحمد الكامل لله وحده لا شريك له دون جميع الأنداد والآلهة ودون ما سواه مما تعبده كفرة خلقه من الأوثان والأصنام. وهذا كلام مخرجه مخرج الخبر ينحى به نحو الأمر يقول: أخلصوا الحمد والشكر للذي خلقكم وخلق السموات والأرض ولا


(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج٦ ص ٣٨٣.
(٢) انظر: تفسير أبي السعود ج٣ ص ١٠٤؛ فتح القدير للشوكاني ج٢ ص ١٠٢؛ محاسن التأويل للقاسمي ج٦ ص ٤٥٥؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج٧ ص ١٢٥ –١٢٦.
(٣) هو محمد بن جرير بن يزيد الطبري، أبو جعفر (٢٢٤-٣١٠هـ) : المؤرخ المفسر الإمام، ولد في آمل طبرستان واستوطن بغداد وتوفي بها، عرض عليه القضاء فامتنع والمظالم فأبى، من أشهر مؤلفاته: أخبار الرسل والملوك (تاريخ الطبري) – جامع البيان في تفسير القرآن – اختلاف الفقهاء (انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي ج٢ ص٣٥١؛ البداية والنهاية ج١١ ص١٥٦-١٥٨؛ لسان الميزان لابن حجر ج٥ ص ١٠٠-١٠٣؛ سير أعلام النبلاء للذهبي ج١٤ ص٢٦٧-٢٨٢؛ الأعلام للزركلي ج٦ ص٦٩) .

<<  <   >  >>