للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني: في بيان حمد الله ذاته العليّة في الآية وغايته

يحمد الله ذاته العليّة في الشطر الثاني من الآية بقوله: {والحمد لله رب العالمين} ، ويجوز أن تكون معطوفة على قوله تعالى {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك} وما اتصل بعدها من الآيات عطف غرض على غرض، ويجوز أن تكون اعتراضاً تذييلياً فتكون الواو اعتراضية (١) .

وعلى كلّ حال فإنّ حمد الله ذاته في هذا الموضع له غاية وحكمة والظاهر في ذلك أنه إنّما حمد الله ذاته ـ ههنا ـ لِما قضى به من إهلاك الظالمين؛ إذ إنّ في هلاكهم إصلاحاً لأهل الأرض وتخليصاً لهم من سوء عقائدهم وشرّ أعمالهم وظلمهم، وبه يعود العدل والحقّ بعد الجور والضلال.. ولاريب أنّ هذا من عظيم نعم الله على خلقه، وهو مقام من مقامات استحقاق الله سبحانه للحمد والثناء.

كما أنّ هلاك الكفرة الظالمين يستتبع نعماً أخرى غير ما ذكر بشأن الناس عامة، إذ فيه أيضاً إنعام على رسل الله عليهم السلام ودعاته الصالحين بإظهار حججهم ونصرهم على أعدائهم وإعلاء كلمة الحق التي جاءوا بها. وكل ذلك نعم جليلة حقيق به تعالى أن يحمد ذاته عليها (٢) .

ونظير ذلك قوله تعالى بشأن هلاك قوم لوط عليه السلام: {وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين. قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى..} الآية (٣) ، فإن قوله تعالى {قل الحمد لله} جاء بعد بيانه ـ عزّوجلّ ـ لما حلّ من الهلاك بقوم لوط،


(١) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج٧ ص٢٣٢.
(٢) انظر: تفسير الطبري ج٧ ص ١٢٤-١٢٥؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج ١٢ ص ٢٢٦-٢٢٧؛ تفسير أبي السعود ج٣ ص ١٣٤؛ تفسير القرطبي ج٦ ص٤٢٧؛ زاد المسير لابن الجوزي ج ٣ ص ٤١؛ تفسير الخازن ج٢ ص١٣٤؛ تفسير الآلوسي ح٧ ص ١٥٢؛ فتح القدير للشوكاني ج٢ ص١٢١؛ التحرير والتنوير ج٧ ص ٢٣٢.
(٣) سورة النمل: الآيتان (٥٨-٥٩) ، وانظر: محاسن التأويل للقاسمي ج٦ ص٥٢١.

<<  <   >  >>