للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: في بيان موضع الحمد وغايته]

وبعد بيان هذا المثل يحمد الله ذاته الكريمة بقوله {الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} وعلى القول بأنّ الاستفهام الذي سبق الحمد تقريري؛ فتكون جملة الحمد استئنافاً في محلّ الجواب له، وموقعها كموقع النتيجة من الدليل، فيقدّر أنّ المخاطبين قد أقرّوا بعدم استواء حال الرجلين؛ لأنّ مثل هذا الاستفهام لا ينتظر السائل جواباً عنه، فيصحّ أن يتولى الجواب عنه قبل أن يجيبه المسؤول، ولمّا وافق ما قُدِّر من جوابهم بغيته تعالى حمد سبحانه ذاته على نهوض حجته وإثبات برهانه.

وأمَا على أنّ الاستفهام للإنكار فتكون جملة الحمد معترضة بين الإنكار وبين الإضراب الانتقالي، وذلك إثباتاً منه تعالى بأن الحمد له ولا يستحقه أحدٌ سواه بعد بطلان قول المشركين بإثبات الشركاء والأنداد؛ وثبوت أن لا إله إلا هو الواحد الأحد الحقّ (١) .

وعلى ما سبق ذكره يتبيّن أنّ غاية حمد الله ذاته وحكمته في هذا المقام لأمرين:

(أحدهما) لظهور الحجة وقيام البيّنة على المشركين بهذا المثل وإلزامهم بالحقّ الذي لامحيد عنه ولا مناص؛ فلم يبق لهم بعده عذر ولا ينهض لهم عقبه برهان.

(ثانيهما) لإثبات أنّ الله هو المستحقّ له دون سواه بعد بطلان إلهية كلّ الشركاء والأنداد.

مطلب:

ثم إنّ الإضراب المتصل بالحمد بقوله تعالى {بل أكثرهم لا يعلمون} يحتمل عدة وجوه ذكرها المفسرون على ما يلي:


(١) انظر: تفسير الطبري ج٢٣ ص١٣٨؛ تفسير الكشاف للزمخشري ج٣ ص٣٤٦؛ تفسير الماوردي ج٣ ص٤٦٨؛ تفسير ابن كثير ج٤ ص٥٢؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج٢٦ ص٢٧٨؛ تفسير البحر المحيط ج٧ ص٤٢٥؛ تفسير أبي السعود ج٧ ص٢٥٣؛ تفسير السعدي ج٦ ص٤٦٩؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج٢٣ ص٤٠٣.

<<  <   >  >>