[المبحث الثاني: في بيان الموضع الثاني للحمد وغايته]
قال الله تعالى:{وله الحمد في الآخرة}
لما علم من وصفه تعالى بقوله {الذي له ما في السموات وما في الأرض} أنّ له الحمد في الدنيا أتبعه ببيان أنّ له الحمد في الآخرة كذلك لِما انّه هو المالك لها أيضاً فقال عزّ وجلّ: {وله الحمد في الآخرة} ـ هذا مع كونه سبحانه هو المنعم فيهما جميعاً ـ وذلك تنبيهاً إلى اختصاصه بالحمد في الدارين، فهو المعبود أبداً والمحمود على طول المدى، ولا يشركه في ذلك أحد من دونه، وإضافة إلى هذه الحكمة فإنه يظهر في الآخرة من حمده سبحانه والثناء عليه ما لايكون في الدنيا، فإذا قضى الله بين الخلائق كلّهم ورأى الناس والخلق كلّهم كمال عدله وقسطه حمدوه على ذلك، وكذلك ما يظهر من حمده في دار النعيم والثواب. وقد أشرت إلى هذا فيما قبل. كما أنّ الإتيان ببيان أنّ له الحمد في الآخرة فيه إشارة إلى أنه يتكشّف لمن كان يحمد غيره في الدنيا ويلتبس عليه ذلك حقيقة ما جهلوه وأنكروه فيتمحّض له الحمد والثناء فلا يحمد في الآخرة أحد إلا هو سبحانه، فالناس يومئذ في عالم الحق ولا تلتبس عليهم الصور (١) .
(١) انظر: تفسير الطبري ج٢٢ ص ٤٢؛ تفسير ابن كثير ج٣ ص ٥٣٣؛ تفسير أبي السعود ج٧ ص ١٢٠؛ حاشية الجمل على الجلالين ج٣ ص ٤٥٩؛ فتح القدير للشوكاني ج٤ ص ٣٠٢؛ تفسير السعدي ج٦ ص ٢٥٦-٢٥٧؛ التحرير والتنوير ج٢٢ ص ١٣٦.