للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني:

في ذكر أوصاف الكتاب وصلتها باستحقاق الحمد

وصف الله ـ تبارك وتعالى ـ كتابه الكريم في مقام الحمد بإنزاله بصفات تدلّ على أنّه حقيق أن يحمد الله نفسه الشريفة على إنزاله وأن يتمدّح إلى عباده به. وتلكم الصفات (أولها) في قوله تعالى: (ولم يجعل له عوجاً) وهو وصف كمال له بنفي وجود شيء من العوج به كاختلال في النظم وتنافر في المعنى أو انحراف عن الدعوة إلى الحق؛ بل هو في غاية الكمال من صحة المعاني والسلامة من الخطأ والاختلاف والتضاد. وهذا الوصف الذاتي له يقتضي أنه أهلٌ للانتفاع به (١) .

و (ثانيها) في قوله تعالى (قيّماً..) والقيِّم: صفة مبالغة من القيام الذي يطلق على دوام تعهّد شيء وملازمة صلاحه؛ لأنّ التعهد يستلزم القيام لرؤية الشيء والتيقظ لأحواله، والمراد بهذا الوصف في شأن القرآن الكريم أنه قيّم على هدي الأمة وإصلاحها بكلّ ما يحقّق لها الخير في مصالحها الدينية والدنيوية. وهذا الوصف يقتضي أنّ كماله متعدٍّ بالنفع (٢) .

وأقول: إنّ هذين الوصفين بدلالتهما على كمال هذا الكتاب الكريم بكونه في ذاته أهلاً للانتفاع به وكونه متعدّياً بالنفع فيهما إظهار وإشعار لاستحقاقه تعالى الحمد على إنزال القرآن الكريم، فالإتيان بهما مناسب لمقام الحمد ههنا.

لطيفة:

يذكر ابن عاشور في قوله تعالى (ولم يجعل له عوجاً) أنّه إنّما عُدّي الجعل


(١) انظر: تفسير أبي السعود ج٥ ص٢٠٢؛ تفسير ابن كثير ج٣ ص ٧١؛ تفسير السعدي ج٥ ص٥-٦؛ التحرير والتنوير ج١٥ ص ٢٤٨.
(٢) انظر: تفسير أبي السعود ج ٥ ص ٢٠٢؛ التحرير والتنوير ج١٥ ص ٢٤٨.

<<  <   >  >>