للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لمّا أثنى سبحانه على المرسلين بقوله قبل الحمد {وسلام على المرسلين} حمد ذاته على إرسالهم مبشرين ومنذرين، فإن ما بالمرسلين من فضل وشأن إنّما هو من عند الله وهم في ذات الأمر نعمة ورحمة على عباده (١) . وهو وجه لطيف سائغ أيضاً.

وأمّا بالنظر إلى ما حوته هذه السورة الكريمة من ذكر ما قاله المشركون في الله تعالى، ونسبوا إليه مما هو منزّه عنه، وماعاناه المرسلون من جهتهم، وما خوّلوه في العاقبة من النصرة عليهم، ناسب بذلك ختمها بهذه الآيات الثلاث التي يأتي في بدايتها تنزيه الله ذاته عمّا وصفه به المشركون ومن بعد يتوسّطها التسليم على المرسلين وتُختم بحمده تعالى لذاته على ما قيّض لهم من حسن المآل والعواقب (٢) .

وفي مثل هذا يقول ابن عاشور: ((هذه الآية فذلكة لما احتوت عليه السورة من الأغراض، إذ جمعت تنزيه الله والثناء على الرسل والملائكة وحمد الله على ما سبق ذكره من نعمة على المسلمين من هدى ونصر وفوز بالنعيم المقيم)) (٣) .

وأقول: إنّ جميع ما ذكر من علّة لمجيء الحمد في هذا المقام صالح للاعتبار والاستدلال وإظهار وجه المناسبة والحكمة، ويحتمل أنّ الكلّ مراد،

والله أعلم بمراده.


(١) انظر: تفسير الطبري ج٢٣ ص٧٤؛ محاسن التأويل للقاسمي ج١٤ ص١٤٠؛ فتح القدير للشوكاني ج٤ ص٤٠١.
(٢) انظر: الكشاف للزمخشري ج٣ ص٣١٥.
(٣) التحرير والتنوير: ج٢٣ ص١٩٨-١٩٩.

<<  <   >  >>