للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السياسية الخارجية، والحالة الحضارية الداخلية.

ولا تتضح حال المسلمين في صقلية إذا نتصور عظمة صقلية الفاتحة المستعمرة في أيام النورمان، أعني صقلية التي خضع لها مسلمو الساحل الإفريقي، وهاجم أسطولها القسطنطينية، وألجأ أسطول مصر وإفريقية إلى الانحياز المتخاذل في المراسي، وابتز السيادة البحرية التي كانت لأساطيل المسلمين عامة، وأسطول الفاطميين خاصة، تلك السيادة التي صورها ابن خلدون بقوله: " وكان المسلمون لعهد الدولة الإسلامية قد غلبوا على هذا البحر (بحر الروم) من جميع جوانبه وعظمت صولتهم وسلطانهم فيه، فلم يكن للأمم النصرانية قبل بأساطيلهم بشيء من جوانبه.. وسارت أساطيلهم فيه جائيةً وذاهبة والعساكر الإسلامية تجيز البحر في أساطيلهم، ومن صقلية إلى البر الكبير المقابل لها من العدوة الشمالية، كما وقع في أيام بني ابي الحسين ملوك صقلية القائمين بدولة العبيديين، وانحازت أمم النصرانية بأساطيلهم إلى الجانب الشمالي الشرقي منه، من سواحل الإفرنجية والصقالية وجزائر الرومانية لا يعدونها، وأساطيل المسلمين قد ضربت عليهم ضراء الأسد بفريسته " (١) .

هذه السيادة ضاعت حين استولى رجار على بلدان الساحل الأفريقي، وأصبح البحر المتوسط " بحيرة نورمانية " تغدو فيه أساطيل صقلية وتروح، دون أن يعترضها عائق، وتنزل الضربة بعد الضربة في الموانئ الأفريقية، ومسلمو صقلية في جزيرتهم لا يستطيعون أن يذمروا أو يتوجعوا لما يصيب إخوانهم بل إن الجيش والأسطول الصقلي جنوداً مسلمين يقودهم قادتهم ليحاربوا إخوانهم تحقيقاً لأطماع شخص غريب عنهم في الدين والجنس.

وقد كانت صقلية وسيادتها الجديدة امتحاناً قاسياً لنفسيات أولئك الأمراء المسلمين المتقاتلين المتنافسين فيما بينهم، وبعد ان كانت صقلية المسلمة تفزع إذا ثارت إلى الروم أو إفريقية أو النورمان، أصبحت هي مفزعاً يفيء إليه كل وال المصلحة الذاتية عن تدبر العاقبة، وأصبح أمراء أفريقية


(١) ابن خلدون، المكتبة ٤٦٠ - ٤٦١.

<<  <   >  >>