للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا غواص على المعاني ثاقب الذهن مبرز في العلم " (١) .

وكان المازري على وجه الإجمال مالكياً أشعرياً متشدداً " مصمماً على مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري رضى الله عنه - جليلها وحقيرها كبيرها وصغيرها لا يتعداها ويبد من خالفه ولو في النزر اليسير والشيء الحقير " (٢) . وقد خالف الجويني أبا الحسن في مسالة ليست من القواعد المعتبرة فقال عنه في شرح البرهان من خطأ شيخ السنة أبا الحسن الأشعري فهو المخطئ (٣) . وخير ما يصور روحه في الدرس والبحث وقفته من الجويني في شرح البرهان ونقده للإمام الغزالي في الاحياء، ولا ندري إن كانت هذه الروح الشديدة المحافظة هي روح المازري وحده أو هي طابع مغربي صقلي، وعلى أي حال فقد رأينا المحافظة والتشدد يغلبان على مدرسة الفقه والحديث بصقلية (٤) .

أما الذين هاجروا الأندلس فكانت تغلب عليهم صبغة الشعر، وليس ذلك لتقارب بين البلدين في المذهب الشعري، وإنما هو بتأثير من بعض الأمراء الأندلسيين وخاصة ابن عباد، ممن كانوا يجزلون الهبات للشعراء.

ولابد من ان نجمع في الذهن صورة عن تلك التقلبات في الحوض الغربي من البحر المتوسط ونستعيد الأحداث التي وقعت على أثر النهضة الأدبية في الأقطار الثلاثة: إفريقية؟ صقلية - الأندلس. ففي بلاط المعز بن باديس كان الشعر الإفريقي في أقوى أحواله نشاطاً وحركة ولكن لم يمض وقت طويل حتى خربت القيروان وتفرق شعراؤها فغدوا الحياة الأدبية في كل من صقلية والأندلس - وقت أن كان حظ الشعر في هذين القطرين آخذاً بالصعود ولم يمض إلا سنوات حتى سقطت صقلية فإذا بكثير من شعرائها ينتقلون إلى الأندلس


(١) السبكي: طبقات الشافعية ٤/ ١٢٤.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) انظر المقالات القيمة التي نشرها الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب باشا عن المازري مجلة لواء الإسلام عدد ٨، ٩، ١٠ من سنة ١٩٤٩ وانظر العيد المئوي لميلاد أماري.

<<  <   >  >>