نعم هذا معنى شائع كثيراً ولكن هل من الغريب أن تنبت الأسباب المشابهة نتائج متشابهة؟
ثم ماذا كان أثر التدين في شعر هذا العصر عامة؟
لقد انعدم الشعور الديني في القصائد التي تدور حول الملك النورماني وأسبابه، وماتت كلمة الجهاد، فلم نعد نسمعها أو نسمع متعلقاتها في الشعر، إذ لم يعد يجمع بين الممدوح والمادح رابطة دينية، أو يحفزه إلى الثناء عليه شعور ديني بجانب حاجاته الدنيوية - هذا صوت قد خفت أبداً، وقد كان المتوقع أن يكون كبت هذا الشعور في العلاقة بين الشاعر وصاحبه سبباً لتسربه في ظل الحياة الإسلامية الخالصة، ولكن إذا استثنينا قصائد الرثاء وجدنا الصبغة الدينية تمحي في الشعر الإسلامي الخالص أيضاً، حتى لنجد أشعار الفقهاء لا في الحب فحسب بل في المجون والغزل ببني الصفر.
وحب الحياة أو الثورة النفسية على الواقع الديني تتضح في شعر الإدريسي إذ يحاول في قصائده أن يقتل الشعور بالحرمان، ويصور تحقق الرغبات والغرق في اللذة في زياة تستغرق طول الليل، وقد كنا هذا العامل الجديد قادراً على أن يكسب الشعر في هذا العصر حيوية لم نعرفها في كثير من شعر العصر الإسلامي ولكن هذه الحيوية لم تكتمل له لأن عمره كان قصيراً، ولأن الثورات قد باعدت بين المسلمين والطمأنينة التي تبث في الصدور حب الحياة.
ومهما يكن فقد برزت في هذا الشعر بعض مظاهر القوة وخاصة في التصوير واصبحنا نجد مثل هذه الصورة الفكهة في قصيدة مجونية (١) .
تجذب خصراً مخطفا ... بكفل مرجرج
كمثل زق ناقص ... على حمار أعرج
(١) الخريدة ١١ الورقة ١٢ والترجمة رقم ١٠ من مجموعة الشعر.