للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من ثلاثمائه ... (١) وكان لا بد لجيش اختلطت فيه ألوان كثيرة من الجنود أن لا يكون مثاليا في تصرفاته حين يستولي على إحدى المدن ولكن ثيودوسيوس لا ينكر حدوث ما يدل على المعاملة الحسنة والنظام بين الجنود والطاعة لأوامر قائدهم الاعلى. وفي نهاية جعلت سرقوسة تيهاً من الخرائب، ولم تبق فيها نسمة حياة، ولم يكن هنالك ثيوقريطس أو ابن حمديس ليبكي مصرع وطنه (٢) . وأخلى المسلمون المدينة ونقلوا الأسرى والغنائم إلى بلرم (٣) وكان على هؤلاء الأسرى أن يستطعموا مرارة أخرى سوى مرارة الأسر، تلك هي رؤيتهم مدينة بلرم التي كانوا يرون من الحطة أن يقيموا لها وزنا؟ رؤيتهم بلرم تحنيهم تحت نيرها. وثارت في نفوس أولئك الأسرى تلك المنافسة البلدية ولم يستطيعوا أن يفرقوا بين بلرم التي كانت عاصمة لولاية بيزنطية وبين بلرم عاصمة الحكومة الإسلامية (٤) . ويحدثنا ثيودوسيوس بأنه نقل مع الأساقفة ورئيسهم صوفرونيوس بعد خمسة أيام إلى الأمير الأعلى، ويعني به والى صقلية، فوجدوه " جالساً في رواق وقد احتجب عن الأعين خيلاء وجبروتا " وتحدث الأمير إلى رئيس الأساقفة والمترجم بوجه الحديث بينهما في جدل ديني قصير، ثم أذن لهم فانصرفوا (٥) .

كان سقوط سرقوسة نهاية محاولات طال مدها، ولكن لم ينته به كل عناء. فقد بقي أكثر القسم الشرقي غير خاضع للمسلمين، وظل الروم يجددون محاولاتهم لاسترداد ما فقدوه، وظلت قطانية وطبرمين وغيرها من المدن الشرقية شوكة في جنب المسلمين، وكانت الروح الدينية في هذه المنطقة ذات أثر في إذكاء نار المقاومة. وظل والى بلرم يخرج بجيشه أو يبث سراياه ويفسد الزروع والثمار ويحرق الكروم. ولما قرر إبراهيم بن الأغلب الخروج في


(١) المصدر نفسه: ٥٣٩ - ٥٤٠.
(٢) Amari، S. D. M. vol I pp. ٥٤٧ - ٤٨.
(٣) op.cit p. ٥٤٨.
(٤) op. cit. p. ٥٤٩.
(٥) Amari: S. D. M. vol،I، p ٥٤٩.

<<  <   >  >>