للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يلحن في خطبه الجمعة وسأله كيف يرضون بهذه الحال فكان جواب ذلك الصقلي الأديب " كأنه والله يا سيدي كما تقول غير أنا نحن لا نأبه لمثل هذا " (١) .

" غير أنا نحن لا نأبه لمثل هذا " كلمة تمثل ذلك الانحلال أو قلة الاكتراث عامة وأراها مناقضة صارخة لذلك الأخذ بالأشد من المقاييس - ومع ذلك فإنك واجد بين هؤلاء الصقليين الذين يصفون أنفسهم بأنهم لا يأبهون لمثل هذه الأمور - واجدٌ بينهم جماعة لا يرون الحديث وهم من حفاظه لأنه لم تتقدم لهم سابقة في العربية مثل أبي حفص عمر بن يوسف بن محمد بن الحذاء القيسي الصقلي وقد التقى به السلفي وجهد حتى يروى عنه الحديث فأبى، قال السلفي: " وجرى بيني وبينه خطب طويل في فضل الرواية وأن روايته أولى من امتناعه منها، فاعتل بعلل تكلمت عليها معه فوجودت عمدته في تحريه التحرز من الوقوع في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم تتقدم له قراءة للعربية " (٢) .

ولما دخل ابن القطاع مصر أخذ عليه نقدة المصريين تساهله في الرواية فقد أنكر أنه رأى كتاب الصحاح أن أ، هـ وصل صقلية " ثم لما رأى اشتغال الطلبة به ورغبة الناس فيه، ركب فيه طريقاً في روايته وأخذ الناس عنه مقلدين له إلا الأقل من محققي النقل في ذلك الوقت (٣) " أي أن ابن القطاع استباح الكذب ولم يأبه أن يوصف به. غير أنه في موقف آخر كان مثالاً للتشدد - مرض تلميذه نصرون بن فتوح بن الحسين الخزرجي بمصر واحتاج إلى شيء من المال فباع كتباً أدبية وغير أدبية، ومن جملتها صحيح البخاري وصحيح مسلم، ولما أبل من مرضه ذكر ذلك لأستاذه ابن القطاع فغضب عليه غضباً شديداً وقال له " كنت تقنع ببيع كتب الأدب فعنها عوض وتترك عندك الصحيحين. هل رأيت مسلماً يخرج


(١) ابن حوقل ١/ ١٢٧.
(٢) السلفي: ١/ ١٢٢.
(٣) إنباه الرواة: ١ - ٥٣٦.

<<  <   >  >>