للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الداخلية حسبما يريدون، ويدبر أمورهم سلطات بلدية كما كان الحال قبل الفتح، وهم ممتنعون وراء الأسوار، خاضعون في كثير أو قليل للإمبراطور البيزنطي، ويتآمرون معه على المسلمين، وإذا رأوا المصلحة في السلام عقدوا معهم معاهدات لا تزيد فترة إحداها على عشر سنين (١) . وانتهى الاستقلال أكثرهم حين خرج إبراهيم بن الأغلب في الجهاد سنة ٢٨٩ هـ وفتح طبرمين عنوة فهرب كثير من أهلها إلى البيزنطيين ووقع الباقون في السجن (٢) . وتمخض جهاد إبراهيم عن نقص في الجنسين الإغريقي والإيطالي في شرق الجزيرة وأصبحت البقية الباقية منهم تحيا حياة ضنك وشدة وخطر، وتحولت المدن التي كانت مستقلة إلى مدن تدفع الجزية، وانفصمت علاقاتها الوثيقة ببيزنطية، وزادها انفصاما ذلك السلام الذي قام بين البيزنطيين والفاطميين (٣) . وكان من سياسة إبراهيم في جهاده أن يرفض الجزية من المدن التي تغلب على أمرها، وأن يفرض على الذميين سياسة متشددة، ويأمرهم بالتمييز بعلامات فارقة. ولكن طبرمين عادت إلى وجودها شبه المستقل حتى فتحت عام ٣٥١هـ في أيام الكلبيين وقبل أهلها النزول على حكم العبودية حتى منحوا الأمان (٤) .

وفي هذه الفترة كانت الروح الدينية في ولاية دمنش تنمى نفسها بين السكان وتوجه حياتهم الحضارية، وفي ظل تلك الروح قام القديسون يبثون في الشعب الكراهية للفاتحين ويشجعونهم على المقاومة. ولا تزال منطقة دمنش إلى اليوم إغريقية الطابع إذا قورنت بغيرها من جهات صقلية.

وفريق آخر من الذميين هم أهل الجزية ولنا أن نقدر في هؤلاء تغير الناحية النفسية من قوم يتمتعون بقسط من الحرية إلى قوم مغلوبين، وكان هؤلاء يعيشون في أمان إذا هم وفوا بما عاهدوا المسلمين عليه، ودفعوا الضرائب المطلوبة منهم، ولكنهم كانوا ينتهزون اختلاف المسلمين فيما بينهم أو يستجيبون للكره


(١) op.cit.p.٦١٣
(٢) ابن الأثير ٧/ ٩٤ والمكتبة: ٢٤١.
(٣) Amari:s.d.m.vol.٢ p. ٢٥٠.
(٤) ابن الأثير ٨/١٧٩ في حوادث ٣٥١هـ؟.

<<  <   >  >>