وإذا كان أسلوب التوجيه اللفظي أو العملي، وأسلوب الموعظة يجدي مع أغلب الناس، فهناك مجموعة من الناس لا يجدي معهم هذا الأسلوب، ولا يزيدهم التوجيه إلا عنادًا وانحرافًا، وهؤلاء ليسوا أسوياء. كذلك فإن المبالغة في الرقة والتلطف مع النشء أمر غير مطلوب، حيث يجب أن تجمع التربية الناضجة بين اللين والحزم، ومن الحزم استخدام العقوبة أو التهديد باستخدامها في بعض الأحيان.
ولم يترك الإسلام بابًا للنفاذ إلى نفس الإنسان والتأثير عليها إلا وطرقه، فهو يستخدم القدوة والموعظة والترغيب والترهيب والعقوبة. فهو مرة يهدد بعدم رضا الله سبحانه، وذلك أيسر التهديد وهو عظيم الأثر في نفوس المؤمنين، يقول تعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد: ١٦] ، ومرة يهدد القرآن بغضب الله صراحة كما جاء في حديث الإفك وتلك درجة أشد، يقول تعالى:{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ، وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}[النور: ١٤-١٧] .
ومرة أخرى يهدد سبحانه المنحرفين بحرب من الله ورسوله، يقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}[البقرة: ٢٧٨-٢٧٩] . ويلجأ القرآن كثيرًا إلى التهديد بعقاب الآخرة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ