فالإسلام يتسم بالواقعية الأخلاقية، فهو وإن كان يحث على الاستثمار فهو يشجع على الاستثمار المشروع وينهى عن ألوان الاستثمار غير المشروع التي تتضمن الاستغلال والاحتكار والربا لما تؤديه هذه الألوان الاستثمارية من أضرار تصيب المجتمع وأعضائه ولما فيه من استغلال لحاجة الآخرين.
وعلى هذا فإن الإسلام لا يتفق من النزعات الماكيافيلية التي تحاول تحقيق الغايات بأي وسيلة كانت، ذلك أن الإسلام يحدد غايات سامية ووسائل شريفة لتحقيقها. ويشترط الإسلام في عملية الاستثمار تحقيق التكافؤ بين الشركاء من حيث ضرورة اشتراكهم في الربح والخسارة، في المال وفي الجهد، وكل اتفاق لا يحقق هذا التكافؤ هو اتفاق لا يقره الإسلام وبالتالي فهو محرم، أما الاتفاق الذي يتضمن مسئولية كل من الفريقين المتشاركين عن كل خسارة متوقعة فهو اتفاق مشروع حلال.
وإذا كان الإسلام قد حرم الاستثمار الذي يخل بالتكافؤ بين الشركاء في العملية الاستثمارية، فقد فتح الطريق أمام أصحاب رءوس الأموال وأصحاب الخبرات والكفايات على أن ينشئوا فيما بينهم اتفاقات لاستثمار إمكاناتهم المالية وخبراتهم الاستثمارية. فأصحاب الأموال يقدمون أموالهم وأصحاب الخبرة يقدمون خبراتهم وجهدهم، ثم يقتسم الجميع الأرباح بالشكل الذي يتفق الطرفان عليه. ويطلق على هذا الشكل من المعاملات المالية المضاربة أو القراض في الفقه الإسلامي. وكلمة مضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض وتعني السفر فيها للتجارة والاستثمار لقوله تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْض} . وقد اختار علماء الحنفية كلمة المضاربة لكثرة استخدامها في العراق، بينما استخدم أنصار المذهب الشافعي كلمة القراض وهي من القرض وهو القطع، وكأن صاحب المال قد اقتطع جزءًا من ماله ليسلمه إلى شريكه. وقيل، إن كلمة القراض مشتقة