تقديرًا لأهمية الزراعة لأنها هي مصدر الغذاء ومصدر المواد الخام للصناعة، قال عليه السلام:"ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة" رواه البخاري -ويشير هذا الحديث إلى ان الزارع في صدقة مستمرة لأن زرعه لا يمر عليه يوم إلا ويأكل منه طير أو بهيمة أو إنسان أو يأكلون منه جميعًا. والزراعة تتضمن عملًا بشريًّا من جانب المزارع إلى جانب تفويض الأمر إلى الله سبحانه بعد أن يؤدي ما عليه. وتقديرًا من الإسلام لأهمية الزراعة، وحفزًا للناس على إحياء الأرض بالزراعة، جعل مكافأة من يحيي أرضًا- لا تنتج زرعًا وغير مملوكة لأحد- أن يتملكها.
ولكن ما معنى الأرض الموات؟ هي الأرض التي تعطل زرعها لانقطاع الماء عنها، أو لغمر الماء لها، أو لكون طينتها غير صالحة للزراعة١٦. ويتمثل الإحياء هنا في إزالة السبب المانع من زراعتها، فإن كان مواتها بسبب غمر المياه لها فإحياؤها بإقامة السدود، وإن كان بسبب قلة المياه فإحياؤها بإجراء المياه لها وحفر الآبار واستخدام آلات الري، وإن كانت غير مستوية سويت وإن كانت الأرض تحتاج إلى تسميد وإضافة المخصبات فعلى المزارع لها ذلك. ويشترط لاعتبار الأرض مواتًا ألا يكون منتفعًا بها بأي شكل من الأشكال -مرابض للحيوانات أو ملاعب للخيل يتريض فيها الناس ... إلخ ولعل هذا هو ما جعل الفقهاء يشترطون لاعتبار الأرض مواتًا أن تكون بعيدة عن العمران حتى لا تكون مرفقًا من مرافقه أو يمكن أن تكون كذلك مستقبلًا -هذا إلى جانب أن إحياء أرض بعيدة يسهم في امتداد العمران وتنمية الثروات. ومن الفقهاء من وضع حد للبعد عن العمران، ومنهم من ترك ذلك للعرف. وإحياء الأرض الموات يكون واجبًا على القادر في حالة ما إذا كانت غير مملوكة لأحد، فإذا كان لها مالك فإن عليه إحياءها وإلا حق لولي الأمر نزعها منه وتسليمها لمن لديه استعداد وقدرة على إحيائها.