للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعقود من الأساليب التي يتم من خلالها التملك والكثير من المعاملات الاقتصادية سواء في مجال الإنتاج أو الاستهلاك أو التوزيع، وهي مجالات الاقتصاد الأساسية. وهناك عدة أسس تستند إليها العقود في الإسلام، تلك العقود التي يطالبنا القرآن الكريم الوفاء بها:

أولًا: عقود المعاملات يُنظر فيها للمقاصد والمصالح، فإذا كان الأصل في العبادات الالتزام بما جاء به الشرع والتقيد بالصور التي أمر الله بها لأنها تستهدف التقرب إلى الله وتحقيق الصلة المستمرة بين العبد وخالقه، فإن الأصل في المعاملات تحقيق مصالح العباد في الحياة ورفع الحرج عنهم بعيدًا عن الباطل والظلم والحرام. ويفسر ابن تيمية -رحمه الله- هذا الفرق بين العبادات والمعاملات١٩ أن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم. فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيها عدم الحظر، فلا يحظر منها إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى. وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لا بد وأن تكون مأمورًا بها. فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه أنه عبادة؟ وما لم يثبت أنه منهي عنه كيف يحكم عليه أنه محظور؟ ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١] .

والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا} [يونس: ٥٩] ، ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله وحرموا ما لم يحرمه الله في سورة الأنعام حيث قال

<<  <   >  >>