الأرض وتقام الصناعات أو التنظيمات الصناعية ويتم التبادل التجاري، وبه يساهم أصحابه في سد حاجة المحتاجين وتأسيس المشروعات العامة النافعة، وإن لم يكن بعاطفة التعاون والتراحم، فبحكم الفرض الذي أوجبه الله في أموال الأغنياء للفقراء وفي سبيل الله، وبحكم الضرائب التي يفرضها ولي الأمر حسب تقدير ما تحتاج إليه البلاد من مشروعات الإصلاح والتنمية وقد حرص القرآن الكريم على حث المؤمنين على البذل للفقراء والمساكين وفي سبيل الله، وهذه الكلمة الأخيرة من الكلمات الفذة التي جاء بها القرآن الكريم حيث تملأ القلب روعة وجلالا ولا يخرج عن معناها نوع ما من أنواع البر والخير العام أو الخاص.
وقد حض الإسلام أتباعه على تملك الأموال وتنميتها بالأساليب المشروعة، وأراد بذلك تحقيق الاكتفاء الذاتي داخل المجتمع من خلال إنتاج الأغذية التي تنبتها الأرض ومختلف الصناعات المدنية والعسكرية والمعمارية.... وقد تحدث فقهاء الإسلام في عصورهم الأولى عن هذه القضية، وجعلوا تعلم هذه الصناعات ووجودها في المجتمع من فروض الكفاية، فإذا لم يتحقق في الأمة أثمت إثما لا يرتفع عنها إلا إذا قامت كل طائفة بواجبها في قطاع معين من قطاعات الاقتصاد.
وقد أوضح ابن تيمية في كتابه "الحسبة" أن واجب الدولة أن تتدخل بالتنظيم والإجبار لإيجاد حاجات الأمة من الصناعات والزراعات والمرافق المعاشية العامة، ولإعداد من يصلحون لها ويقومون بها٤٧. كذلك ذهب إلى أن من واجب الدولة التدخل في تحديد أجور العمال وأسعار اسلع في حالة المغالاة. وهذا الرأي نفسه قد ذكره الشيخ محمود شلتوت في دراسته بعنوان "الإسلام عقيدة وشريعة". وهذا يؤكد أن النظام الاقتصادي الإسلامي يستند إلى الواقعية الأخلاقية ويقوم على فكرة التوازن الدقيق بين الفردية والجماعية على العكس من المذاهب الوضعية -الرأسمالية والشيوعية- التي تطرفت في صالح أحد الجوانب -الفردية أو الجماعية.