للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كبير في النشاط الاقتصادي للأفراد ونادى بعدم الإسراف في فرض ضرائب، ويؤكد ابن خلدون أن من واجب الدولة أن تتأكد أن "الضرائب" لا تثمر إذا هي فرضت فرضا تعسفيا وأن الضرائب المعتدلة أعظم حافظ على العمل الاقتصادي.

سابعا: يؤكد ابن خلدون أن التعاون عملية اجتماعية أساسية في حياة البشر. ويعد هذا المفكر من أنصار نظرية تفسير المجتمع بحاجة الأفراد إلى التعاون لسد احتياجاتهم الاقتصادية والبيولوجية والدفاعية. يقول ابن خلدون في هذا الصدد: إن قدرة الواحد من البشر قاصرة على تحصيل حاجاته من الغذاء غير موفية له عادة حياته منه ... فلا بد من اجتماع القدر الكثير من أبناء جنسه كي لا يحصل الموت له ولهم ... كذلك فإن الواحد من البشر لا تقاوم قدرته قدرة الواحد من الحيوانات المفترسة فهو عاجز عن مدافعتها وحده بالجملة، ولا تفي قدرته أيضا باستعمال الآلات المعدة للمدافعة لكثرتها وكثرة الصنائع والمواعين المعدة لها، فلا بد في ذلك من التعاون عليه بأبناء جنسه. وما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل له قوت ولا غذاء، ولا تتم حياته لما ركبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته، ولا يحصل له دفاع عن نفسه لفقدان السلاح فيكون فريسة للحيوانات ويعاجله الهلاك على مدى حياته ويبطل نوع البشر. ويؤكد ابن خلدون أن ظاهرة السلطة أمر حتمي في شئون البشر. فمتى تحققت الضرورة الاجتماعية عند الناس وتجمعوا من أجل إتمام حكمة الله في خلق الجنس البشري، لا بد من وجود السلطة من أجل تنظيم علاقاتهم تنظيما يكفل استمرار المجتمع والتعاون. ويتجسد قيام السلطة في قيام الملك*.


* ترتبط فكرة ابن خلدون عن السلطة بنظريته في العصبية، حيث قرر ابن خلدون في المقدمة الأولى من الباب الأول ثلاثة مبادئ أساسية وهي:
أولا: ضرورة الاجتماع للبشر واستحالة معيشتهم منفردين.
ثانيا: ضرورة وجود الوازع.
ثالثا: عدم ضرورة وجود الشرع للبشر وإمكان دفع العدوان بالعصبية وسطوة الملك وهو يستدل على هذا المبدأ الثالث بأن أهل الكتاب والمتبعين للأديان السماوية قليلون بالنسبة للمجوس الذين ليس لهم كتاب منزل، ومع هذا فقد كانت لهم الدول والمجتمعات فضلا عن الآثار. وهو يميز بين نوعين من الوازع: الأول هو الوازع الديني، والثاني أطلق عليه الوازع السلطاني. وتعد نظرية ابن خلدون في العصبية أساس ما يطلق عليه اليوم علم الاجتماع السياسي.

<<  <   >  >>