للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " (١) .

ــ

= فلا يحكم بسواه في قليل ولا في كثير. وقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ١. استفهام إنكار، أي لا حكم أحسن من حكمه تعالى، وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس له في الطرف الآخر مشارك، أي ومن أعدل من الله حكما لمن عقل عن الله شرعه، وآمن وأيقن أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بعباده من الوالدة بولدها، العليم بمصالح عباده، القادر على كل شيء، والحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.

(١) الهوى مقصور، مصدر هواه أحبه، وشرعا: ميل النفس إلى مشتهيات الطبع. أي لا يكون مؤمنا كامل الإيمان حتى يكون ما تهواه نفسه وتحبه وتميل إليه. "تبعا" موافقا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى لا يخرج عنه إلى ما يخالفه بحال، فهذه صفة أهل الإيمان الخلص، وأما إن كان بخلاف ذلك أو في بعض أحواله أو أكثرها، فإنه ينتفي عنه من الإيمان كماله الواجب، كما في حديث: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن "٢ الحديث. يعني أنه بالمعصية ينتفي عنه كمال الإيمان الواجب وينقص إيمانه، فلا يطلق عليه الإيمان إلا بقيد المعصية أو الفسوق، فيقال: مؤمن عاص، أو يقال: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فيصير معه مطلق الإيمان الذي لا يصح إسلامه إلا به، لا الإيمان المطلق، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وبه جاء الكتاب والسنة، وأن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، خلافا للخوارج والمعتزلة؛ فإن الخوارج يكفرون بالذنوب، والمعتزلة لا يطلقون عليه الإيمان، ويقولون بتخليده في النار، وكلا الطائفتين ابتدع في الدين، وترك ما دل عليه الكتاب والسنة. وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ٣. فقيد ما دون الشرك بالمشيئة، وتواترت الأحاديث بما يحقق ما =


١ سورة المائدة آية: ٥٠.
٢ النسائي: الجهاد (٣١٤٣) , وأبو داود: العتق (٣٩٦٥) , وأحمد (٤/٣٨٤) .
٣ سورة النساء آية: ٤٨.

<<  <   >  >>