وقال الشعبي: " كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة (١) ، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد، عرف أنه لا يأخذ الرشوة (٢) . وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود; لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة، فيتحاكما إليه (٣) ،
ــ
(١) الخصومة الجدل، وتخاصم القوم واختصموا تجادلوا وتنازعوا. والشعبي: هو عامر بن شراحيل الكوفي، عالم زمانه تقدمت ترجمته. قال مكحول:((ما رأيت أفقه منه)) . وروى ابن إسحق وغيره أنه كان بين الجلاس بن الصامت قبل توبته ومعتب بن قشير ورافع بن زيد وبشير، وكانوا يدعون الإسلام فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعوهم إلى الكهان، فنزلت الآية. وروي عن ابن عباس أن المنافق اسمه بشر، فالله أعلم.
(٢) هي بتثليث الراء وأصلها من الرشاء الذي يوصل به إلى الماء، الجعل يعطيه أحد الخصمين للقاضي أو غيره ليحكم له، أو يحمل له على ما يريد، ورشاه أعطاه الرشوة، وراشاه مراشاة حاباه وصانعه.
(٣) جهينة حي مشهور من قضاعة، والكاهن: طاغوت يتحاكمون إليه كما في سائر أحياء العرب في الجاهلية، انتهى كلام الشعبي رحمه الله. رواه ابن جرير وابن المنذر بنحوه. وفيه ما يدل على أن المنافق يكون أشد كراهة لحكم الله ورسوله من اليهود والنصارى، وهو أشد عداوة منهم لأهل الإيمان، كما هو الواقع في هذه الأزمنة وقبلها من إعانتهم العدو على المسلمين، وحرصهم على إطفاء نور الإسلام والإيمان، ومن تدبر ما في التاريخ، وما وقع منهم من الوقائع، عرف أن هذا حال المنافقين قديما وحديثا، وقد حذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم من طاعتهم والقرب =