للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يتطيرون (١) وعلى ربهم يتوكلون (٢) .

ــ

= فإن فعله له يدل على جوازه، وعدم محبته لا يدل على المنع منه، وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل وأكمل، أي في تحقيق التوحيد، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هم الذين أخلصوا أعمالهم وتركوا ما لا بأس به، حذرا مما به البأس. وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهة)) اهـ.

فمن تركهما توكلا لا تجلدا ولا تصبرا فهو من كمال تحقيق التوحيد، ومن تركهما تجلدا وتصبرا لم يكن تركه من التوحيد في شيء فضلا عن أن يكون من تحقيقه.

(١) أي لا يتشاءمون بالطير ونحوها. ويأتي بيان الطيرة في بابها إن شاء الله تعالى.

(٢) فتركوا الشرك رأسا ولم ينزلوا حوائجهم بأحد فيسألونه الرقية فما فوقها، وتركوا الكي وإن كان يراد للشفاء، والحامل لهم على ذلك قوة توكلهم على الله، وتفويض أمورهم إليه، وثقتهم به، ورضاهم عنه، وصدق الالتجاء إليه، وإنزال حوائجهم به سبحانه وتعالى، والاعتماد بالقلب الذي هو نهاية تحقيق التوحيد، وهو الأصل الجامع الذي تفرعت عنه تلك الأفعال والخصال، وعطفه على تلك من عطف العام على الخاص؛ لأن كل واحدة منها صفة خاصة من التوكل وهو أعم من ذلك، والحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب أصلا، فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمر فطري ضروري، بل نفس التوكل مباشرة لأعظم الأسباب، وإنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة مع حاجتهم إليها توكلا على الله كالاكتواء والاسترقاء، وأما مباشرة الأسباب والتداوي على وجه لا كراهة فيه، فغير قادح في التوكل، فلا يكون تركه مشروعا؛ لما في الصحيحين: " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله " ١. وأخرج أحمد " يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهرم" "٢. =


١ البخاري: الطب (٥٦٧٨) , وابن ماجه: الطب (٣٤٣٩) .
٢ الترمذي: الطب (٢٠٣٨) , وأبو داود: الطب (٣٨٥٥) , وابن ماجه: الطب (٣٤٣٦) .

<<  <   >  >>