الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالشَّاذ في اللغة: مأخوذ من شَذَذَ، وأصل هذه المادة هو الانفراد والتفرق يقال: شذَّ الرجل إذا انفرد عن أصحابه، ويقال: شُذَّاذ الناس أي: متفرقوهم، ويُطلق الشاذ في اصطلاح العلماء على ما فارق ما عليه بابه، وانفرد عن ذلك إلى غيره كما يطلق على ما خالف القياس، أو خرج عن القواعد النحوية أو الصرفية. وقد بين السيوطي حكم الشاذ فقال:"يُطرح طرحًا ولا يُهتم بتأويله" انتهى.
فقوله:"يطرح طرحًا" معناه: يلغى ويرمى ولا يلتفت إليه؛ لأنه من سخط المتاع. وقوله:"ولا يهتم بتأويله" معناه: لا يعتنى بشأنه، ولا ينظر إليه؛ لأنه خرج عن الأصول المجمع عليها، ومعنى كلام السيوطي: أن الشاذ لا يجوز القياس عليه وما ذكره السيوطي هو مذهب جمهور البصريين؛ إذ ذهبوا إلى أن الشّاذ يُطرح ولا يُقاس عليه، ولا تنقض به القواعد المطردة، يقول سيبويه في (الكتاب): "لا ينبغي لك أن تقيس على الشاذ المنكر". ويقول ابن السراج في (الأصول): "ينبغي أن تعلم أن القياس إذا اطرد في جميع الباب لم يُعنَى بالحرف الذي يشذّ منه". ويقول الزجاجي في (الإيضاح في علل النحو): "إن الشيء إذا اطرد عليه باب فصح في القياس، وقام في المعقول، ثم اعترض عليه شيء شاذّ نذر قليل لعلَّة تلحقه، لم يكن ذلك مبطلًا للأصل والمتفق عليه في القياس المطرد".
ويقول أبو البركات الأنباري في (لمع الأدلة): "الشواذ لا تُورد نقدًا على القواعد المطردة، ألا ترى أن الأصل في كل واو تحركت وانفتح ما قبلها أن تُقلب ألفًا نحو: باب، ودار، وعصًا، وقفًا. والأصل فيه: بوب ودور وعصو وقفو، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها؛ قُلبت ألفًا، ولا يجوز أن يُورد القَوَد والحَوَكة نقدًا لشذوذه في بابه". انتهى.