ثم ذكر ابن جني أن استعمال هذه اللغات الضعيفة لا يعد خطأ؛ وإن كان الواجب على المتكلم أن يقل استعماله لها، وأن يتخير ما هو أقوى وأشيع؛ فإن تكلم باللغة القليلة فإنه مصيب في الجملة لعدم خروجه عن كلام العرب بالكلية؛ كما أن المتكلم إذا اضطُر إلى استعمال شيء من ذلك لإقامة وزن أو لمراعاة سجع في كلامه فإن له أن يرتكب ذلك بلا لوم ولا نسبة خطأ ولا إنكار عليه، وقد قال ابن جني في ذلك: الواجب في مثل ذلك: استعمال ما هو أقوى وأشيع؛ ومع ذلك لو استعمله إنسان لم يكن مخطئًا لكلام العرب؛ فإن الناطق على قياس لغة ما من لغات العرب مصيب غير مخطئ؛ لكنه يكون مخطئًا لأجود اللغتين؛ فأما إن احتاج لذلك في شعر أو سجع فإنه مقبول منه غير منعي عليه ... انتهى.
وقد ختم السيوطي هذه المسألة بقول أبي حيان في (شرح التسهيل): "كل ما كان لغة لقبيلة قيس عليه" انتهى.
وليس هذا الكلام على إطلاقه؛ لأن إبدال اللام ميمًا لا يقاس عليه لقلته؛ فوجب التفصيل بين ما كان لغة قليلة وما كان لغة كثيرة؛ أما اللغة القليلة فلا يقاس عليها -كما سبق- وأما اللغة التي تكثر في كلام العرب فإنه يجوز القياس عليها.
ترجيح لغةٍ ضعيفةٍ على الشاذّ
لقد ذكر ابن عصفور فيما نقله السيوطي عنه أنه إذا تعارض ارتكاب شاذ ولغة ضعيفة؛ فارتكاب اللغة الضعيفة أولى من ارتكاب الشاذ، ومعنى ما ذكره ابن عصفور: أنه إذا دار أمر المتكلم بين أن يتكلم بلغة ضعيفة أو بكلام شاذ؛ فإن التكلم باللغة الضعيفة أولى من ارتكابه الشاذ؛ لأن هذه اللغة -على ضعفها- مروية عن العرب أو عن بعض العرب، وكل لغة تمثل حقلًا لغويًّا لا يصح إهداره أو الحيف عليه؛ وليس كذلك الشاذ؛ فاللغة الضعيفة إنما قدمت على الشاذ لأن