ذكر السيوطي نقلًا عن أبي البركات الأنباري:"أن العلماء قد اختلفوا في التعليل بالعلة القاصرة، وهي التي لا تتجاوز محل النص المعلل بها إلى غيره، فجوَّزها قوم، ومنعها قوم آخرون، ومثَّل لها بالعلة في قولهم: "ما جاءت حاجتك"، بنصب "حاجتك"، وقولهم: "عسى الغوير أبؤسًا"، فإن "جاءت" و"عسى" فيهما أُجريَا مُجرى "صار"؛ فجعل لهما اسم مرفوع وخبر منصوب، ولا يجوز أن يجري مجرى "صار" في غير هذين المثالين، فلا يقال مثلًا: ما جاءت حالتك، أي: ما صارت. ولا جاء زيد قائمًا، أي: صار زيد قائمًا، كما لا يجوز عسى الغوير أنعمًا، ولا عسى زيد قائمًا؛ بإجراء عسى مُجرى صار".
وبيان ذلك: أن الأصل في جاء أن يكون فعلًا كسائر الأفعال، ومن العرب مَن لا يجعله متعديًا فيقول: جاء زيد إلى عمرو. ومنهم من يعدِّيه فيقول: جاء زيد عمرًا. فأما قول العرب: ما جاءت حاجتك، فمعناه: أية حاجة صارت حاجتك، فما في التركيب اسم استفهام مبتدأ في محل رفع، وجاءت بمعنى صارت، فهي فعل ماضٍ ناسخ ككان، واسمها ضمير مستتر فيها، وحاجتك خبرها، ومضاف إليه، والجملة الفعلية خبر ما في محل رفع.
وأما قولهم:"عسى الغوير أبؤسًا"، فالغوير: تصغير غارٍ، والأبؤس: جمع بؤس وهو الشدة، والمعنى: لعل الشَّرَّ يأتيكم من قبل هذا الغار يُضرب للرجل يقال له: لعل الشر جاء من قبلك. والشاهد في المثالين العربيين: أن العلة فيهما لا تتجاوزهما لغيرهما، واستدلَّ أبو البركات الأنباري على صحتها بأنها ساوت العلة المتعدية في الإخالة والمناسبة، وزادت عليها بظاهر النقل، أي: فيما هي