(حكم معرفة اللغة والنحو والتصريف، والتواتر والآحاد والرواة، والنقل عن النفي، وأدلة النحو عند الأنباري)
حكم معرفة اللغة والنحو والتصريف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن أولى العلوم بالرعاية وأحقها بالاهتمام علم كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة أحكام الشرع الحنيف، ولقد نشأت علوم اللغة العربية جميعها من أجل الوصول إلى معاني القرآن الكريم، والحديث الشريف؛ فعلوم اللغة هي الأداة الموصلة إلى فهم الكتاب والسنة، ومعرفة الأحكام الشرعية. وبيان ذلك: أن الكتاب والسنة قد ورد بلغة العرب، ولا سبيل لفهم الكتاب والسنة إلا بمعرفة اللسان العربي.
ومن ثم نقل السيوطي عن كتاب (المحصول) للإمام فخر الدين الرازي المتوفى سنة ست وستمائة من الهجرة قوله: "اعلم أن معرفة اللغة والنحو والتصريف فرضُ كفاية؛ لأن معرفة الأحكام الشرعية واجبة بالإجماع، ومعرفة الأحكام بدون معرفة أدلتها مستحيل، فلا بد من معرفة أدلتها، والأدلة راجعة إلى الكتاب والسنة، وهما واردان بلغة العرب ونحوهم وتصريفهم. فإذًا توقف العلم بالأحكام على الأدلة، ومعرفة الأدلة تتوقَّف على معرفة اللغة والنحو والتصريف، وما يتوقف على الواجب المطلق وهو مقدور للمكلَّف فهو واجبٌ. فإذًا معرفة اللغة والنحو والتصريف واجبة" انتهى.
فقوله:"معرفة اللغة والنحو والتصريف" لا يُراد به هذه العلوم وحدها، وإنما يراد غيرها من العلوم العربية التي تتوقَّف عليها الأحكام الشرعية. وقوله:"فرض كفاية" المراد منه أنه لا يلزم جميع الناس أن يقوموا به، وإنما يلزم بعضهم، فإذا قام به بعض الناس سقط عن الباقين.
ومعنى ما ذكره السيوطي نقلًا عن الإمام فخر الدين الرازي: أن هذه العلوم العربية ليست غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة يتوصل بها إلى هدف سامٍ، وغاية