الأول: أنه اقتصر على الشعر لأن الشعر هو الأغلب في كلام العرب.
والآخر: أنه إذا كان يُحتجُّ بالشعر، مع كون الشعر محلّ الضرائر والضيق؛ فالاحتجاج بالنثر من باب أولى وأحرى، وإنما جاز الاحتجاج بكلام الكفار من العرب؛ لأن اللغة العربية عندهم سليقة طُبعوا عليها، وهذا هو مراد الشيخ العز بن عبد السلام في قوله:"لبعد التدليس فيها".
ثم ذكر السيوطي أن العدالة شرط في الراوي، وليست شرطًا فيمن يُحتجّ بكلامه من العرب، فقال:"فعلم أن العربي الذي يُحتج بقوله لا يشترط فيه العدالة، نعم تشترط -أي: العدالة- في راوي ذلك" انتهى.
فهناك إذًا فرق بين قائل الكلام وراوي الكلام من حيث اشتراط العدالة، وعدم اشتراطها. أما قائل الكلام فلا تُشترط العدالة فيه لماذا؟ لأنه ينطق على سجيَّته، وقد احتجُّوا بكلام الصبيان والمجانين، وأثبتوا به القواعد والكلمات. وأما الراوي فإن العدالة شرط فيه؛ لأنه ناقل كلام غيره، والعدالة أصل في قبول الأخبار. ولما كانت العدالة أصلًا في قبول الأخبار؛ لم يُقبل من الأخبار من انقطع سنده، وهو المرسل، وما لا يُعرف قائله وهو المجهول؛ لأن انقطاع السند والجهل بالناقل يوجبان الجهل بالعدالة.
أحوال الكلام الفرد في الاحتجاج به
إن السيوطي قد لخَّص هذا الموضع من مواضع متفرّقة ذكرها ابن جني في (الخصائص)، وبتأمّل كلام ابن جني نلحظ أن كلمة "الفرد" يُراد بها وصف الكلام حينًا، ويُراد بها وصف المتكلم حينًا آخر، وله أحوال:
الحالة الأولى: أن يكون الفرد صفة للكلام بأن يكون المسموع فردًا ليس له نظير في الألفاظ المسموعة أي: سُمع وحده، ولم يُسمع عن العرب ما يُخالفه، بل