(أسماء القبائل العربية، وانقسام الكلام المسموع، وأشعار الكفار من العرب، وأحوال الكلام الفرد)
كلام العرب، وأسماء القبائل التي أخذ عنها والتي لم يؤخذ عنها، وتوجيه ذلك
الحمد لله والصلاة، والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن كلام العرب هو المصدر الثالث من مصادر السماع بعد القرآن الكريم والحديث الشريف عند من أجاز الاحتجاج به، وكلام العرب الذي يُحتج به هو كل نظم أو نثر ثبت عن الفصحاء الموثوق بعربيتهم قبل أن تفسد الألسنة؛ فليس كل كلام عربي يصحُّ الاحتجاج به، وإنما وضع العلماء ضوابط مكانيَّة وزمانية لما يجوز الاحتجاج به من كلام العربي، وما لا يجوز؛ فقد نقل السيوطي عن أبي نصر الفارابي المتوفى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة من الهجرة أن قبائل العرب تنقسم من حيث الاحتجاج بكلامها، وعدم الاحتجاج قسمين:
الأول القبائل التي لم يُؤخذ عنها ولم يُحتجّ بكلامها، وهي: لخم وجذام؛ لمجاورتهم أهل مصر والقبط، وقضاعة وغسان وإياد؛ فإنهم كانوا مجاورين لأهل الشام، أي: حيث يسكن الروم، فاختلطت ألسنتهم، وأكثرهم نصارى يقرءون في صلاتهم بغير العربية، وتغلب والنمر؛ فإنهم كانوا مجاورين لليونانية، وبكر؛ لأنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس، وعبد القيس؛ لأنهم كانوا سكّان البحرين مخالطين للهند والفرس، وأزد عمان؛ لأنهم كانوا أيضًا مجاورين للهند والفرس، واليمن لمخالطتهم للهند والحبشة، وبنو حنيفة، وسكان اليمامة، وثقيف والطائف؛ لمخالطتهم تجار الأمم المقيمين عندهم، وحاضرة الحجاز؛ لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدءوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم، وفسدت ألسنتهم. فهذه القبائل لا يجوز الاحتجاج بكلامها لأنها قبائل لم تتوغَّل في البداوة، بل كانت تسكن أطراف البلاد المجاورة لغير العرب؛ فلم تسلم لغاتها من التأثر بغير العربية، إذ دخل هذه اللغات ما يُؤثّر في فصاحتها لفظًا بمخالفة القياس وتركيبًا بوقوع اللحن.