وذهب بعضهم إلى أنه يثبت في محل النص بالنص، ويثبت فيما عداه بالعلة، وذلك نحو النصوص المقبولة عن العرب المقيس عليها بالعلة الجامعة في جميع أبواب العربية، واستدلَّ أصحاب هذا الرأي لذلك بأن النص مقطوع به، والعلة مضمونة، وإحالة الحكم على المقطوع به أولى من إحالته على المضموم، ولا يجوز أن يكون الحكم ثابتًا بالنص والعلة معًا؛ لئلا يكون مقطوعًا به مظنونًا في حالة واحدة، وذلك مُحال.
ولما كان الأنباري مع الأكثرين فقد ردَّ رأي مخالفيهم بقوله:"وقولهم: إن النص مقطوع به، والعلة مضمونة، وإحالة الحكم على المقطوع به أولى من إحالته على المضمون إلى آخر ما قرروا، قلنا: الحكم إنما يثبت بطريق مقطوع به، وهو النص، ولكن العلة هي التي دعت إلى إثبات الحكم، فنحن نقطع على الحكم بكلام العرب، ونظن أن العلة هي التي دعت الواضع إلى الحكم؛ فالظن لم يرجع إلى ما يرجع إليه القطع، بل هما متغايران، فلا تناقض بينهما" انتهى. يعني: أن طريق القطع مغاير لطريق الظن، فلا منافاة بين الأمرين ولا تضاد.
تقسيم العلة إلى بسيطة ومركبة
ذكر السيوطي أن العلة قد تكون بسيطة، وقد تكون مركبة. فالبسيطة هي التي يقع التعليل بها من وجه واحد، كالتعليل بالاستثقال في تقدير الضمة في حالة الرفع، والكسرة في حالة الجر في الاسم المنقوص، والجوار كتعليل جرّ "خرب" الواقع نعتًا لمرفوع في قولهم: "هذا جحر ضب خرب". بمجاورته لمجرور، والمشابهة كتعليل إعراب الفعل المضارع إذا لم يتصل بنوني التوكيد والنسوة بمشابهته للاسم، ونحو ذلك.