ذكر السيوطي أن الحكم النحوي ينقسم أيضًا إلى رخصة وغيرها، وأراد بالرخصة: ما جاز استعماله لضرورة الشعر، أي: ما جاز في الشعر مما لا يجوز استعمال نظيره في الكلام النثري الاختياري، وهو المعروف بالضرائر الشعرية، وأوضح أن هذه الضرائر ليست على درجة واحدة، بل هي تتفاوت حسنًا وقبحًا أي: أن النحويين حكموا على بعض الضرائر بالحسن، وعلى بعضها بالقبح. وقال:"وقد يلحق بالضرورة ما في معناها، وهو الحاجة إلى تحسين النثر بالازدواج".
ومن الواضح أن السيوطي قد اختار مذهب سيبويه والجمهور في تعريف الضرورة الشعرية؛ فالضرورة الشعرية عند هؤلاء العلماء: ما جاز في الشعر مما لا يجوز نظيره في الكلام الاختياري مطلقًا، أي: سواء أكان للشاعر عنه مندوحة -أي: مهرب وسعة وفسحة- أم لم يكن له عنه مندوحة لماذا؟ لأنهم يَرَوْن أن الشعراء أُمراء الكلام، والضرورة هي مخالفة لسَنَن الكلام أي: لطريقة الكلام الاختياري، بالنسبة للإجراء على القواعد النحوية المعروفة، ولكن ليس معناها الخروج ألبتَّة عن قواعد اللغة ومقاييسها، فللضرورة عندهم حدود تنتهي إليها، وغاية تقف عندها، ومقاييس يلتزم الشعراء بها، نعم هي مُخَالِفة ومُخَالَفة لسنن الكلام المنثور، خارجة عن قوانينه بما للشعر من سمات معينة، وطبيعة منفردة تجعله خليقًا بأن يتخفَّف من قيود الكلام، لكن الشاعر مع ذلك يُراعي أن الشعر أحد نوعي التعبير اللغوي؛ فينبغي أن تتصل بين النوعين الأسباب، وأن تمتدَّ بينهما الوشائج، فلا ضرورة إلا وهناك صلة ما تربطها بالكلام النثري، وهذه