للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شرطًا، وهو أن يبلغ عددُ النقلة حدًّا لا يجوز فيه على مثلهم الاتفاق على الكذب أي: لا يتصوَّر هذا الاتفاق، كنقلة لغة القرآن الكريم وما تواتر من السنة الشريفة، وكلام العرب، فإنهم انتهوا إلى حدِّ يستحيل على مثلهم الاتفاق على الكذب.

القسم الثاني: الآحاد، وهو ما تفرَّد بنقله بعض أهل اللغة، ولم يوجد فيه شرط التواتر، ومعنى أنه لم يوجد فيه شرط التواتر: أنه لم يجتمع على القول به عدد يستحيل على مثلهم الاتفاق على الكذب. وذكر أبو البركات الأنباري أن ما تفرَّد به بعض أهل اللغة يُعدُّ من أدلة الاحتجاج؛ فقال: "هو دليل مأخوذ به"، واختلفوا في إفادته، فذهب الأكثرون إلى أنه يُفيد الظن، وذهب بعضهم إلى أنه يفيد العلم، واختار الأنباري الأول، وهو أن خبر الآحاد يُفيد الظن. وقد عقد الأنباري فصلًا لبيان شرط نقل الآحاد ذكر فيه أنه يُشترط أن يكون ناقل اللغة عدلًا، رجلًا كان أو امرأة، حرًّا كان أو عبدًا، كما يُشترط في ناقل الحديث الشريف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن باللغة معرفة تفسيره وتأويله، فاشترط في نقلها ما اشترط في نقله، ومعنى كلام الأنباري أن العدالة شرطٌ في راوي اللغة كي نضمن أنه يروي اللغة في دقة، ودون تحريف ظواهر اللغة وخصائصها.

ثانيًا: ونلاحظ في كلام الأنباري أنه اشترط العدالة في راوية اللغة، كما اشترطها في راوية الحديث، ولا يعني ذلك أن الأنباري يسوِّي بين اللغة الحديث في الفضل، وقد نبَّه على ذلك بقوله: "وإن لم تكن في الفضيلة من شكله" أي: وأن لم تكن اللغة تساوي الحديث في فضله ومنزلته ومكانته، إلا أنه يُشترط في نقلها ما يشترط في نقله. ورفض الأنباري رواية ناقل اللغة إن كان فاسقًا، فذكر أنه إن كان ناقل اللغة فاسقًا لن تُقبل روايته، والعلة في ذلك أن فسقه ربما يدفعه دفعًا إلى الكذب والادّعاء، ولأنه قد ارتكب محذور دينه مع علمه بتحريمه، أي: مع علمه

<<  <   >  >>