للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اضرب عنك الهمومَ طارقَها ... ضربك بالسوط قونَسَ الفرسِ

قونس الفرس: هو العظم الناتئ بين أذني الفرس، وأصل الكلام: اضربن عنك -بنون توكيد خفيفة ساكنة- وفعل الأمر يبنى مع نون التوكيد على الفتح، وقد حذف الشاعر نون التوكيد وهو ينويها؛ فلذلك أبقى الفعل مبنيًّا على الفتح كما كان عليه وهو مقرون بها؛ لتكون هذه الفتحة مشيرة إلى النون المحذوفة ودليلًا عليها، وهذا الحذف شاذ؛ لأن نون التوكيد الخفيفة لا تحذف إذا وليها حرف متحرك كالبيت المذكور، ووجه ضعفه في القياس: أن الغرض من التوكيد التحقيق؛ وإنما يليق به الإسهاب والإطناب لا الاختصار والحذف؛ وإنما تحذف نون التوكيد الخفيفة إذا وليها حرف ساكن؛ كقول الأضبط بن قريع السعدي:

لا تهينَ الفقير علك أن ... تركع يومًا والدهر قد رفعه

والأصل: "لا تهينن" بنونين؛ أولاهما: لام الكلمة، والثانية: نون التوكيد الخفيفة؛ فحذف الشاعر نون التوكيد لالتقاء الساكنين: نون التوكيد الخفيفة، ولام "أل" بعدها، وأبقى الفتحة قبلها -أي: قبل نون التوكيد- دليلًا عليها.

ومن الخروج عن سنن القياس: حذف صلة الضمير دون الضمة وهو المسمى بالاختلاس؛ كقول الشماخ يصف حمار وحش هائجًا:

له زجلٌ كأنهُ صوتُ حادٍ ... إذا طلب الوسيقةَ أو زميرُ

يقول: إذا طلب وسيقته -وهي أنثاه- صوَّت بها في تطريب وترجيع؛ كالحادي يتغنى بالإبل، أو كأن صوته مزمار، وشاهده "كأنه" أصلها: "كأنهو" بالمد؛ فحذف الصلة وأبقى الضمة مُنَزَّلةً منزِلَةً بين منزلتي الوصف والوقف، وهو أمر لم يُعهد في القياس ... نعم؛ يجوز القياس على ما استُعمل للضرورة في الضرورة؛ تطبيقًا لمقولة أبي علي الفارسي؛ كما جاز لنا أن نقيس منثورنا على منثورهم؛ كذلك يجوز أن نقيس شعرنا على شعرهم ... انتهى.

<<  <   >  >>