القبائل التي لم تسلم من مخالطة الأعاجم فتسرب إلى ألسنتهم اللحن والخطأ في البنية أو التركيب.
وقد قال ابن جني:"باب اختلاف اللغات وكلها حجة؛ اعلم أن سعة القياس تبيح لهم ذلك ولا تحظره عليهم؛ ألا ترى أن لغة التميميين في ترك إعمال "ما" يقبلها القياس، ولغة الحجازيين في إعمالها كذلك؛ لأن لكل واحد من القومين ضربًا من القياس يؤخذ به ويخلد إلى مثله؟! وليس لك أن ترد إحدى اللغتين بصاحبتها؛ لأنها ليست أحق بذلك من رسيلتها؛ لكن غاية ما لك في ذلك: أن تتخير إحداهما فتقويها على أختها وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها وأشد أنسًا بها؛ فأما رد إحداهما بالأخرى فلا" انتهى.
ونلحظ في كلام ابن جني أن له عناية واضحة بالقياس، وقد تجلت هذه العناية في أمرين:
أحد هذين الأمرين: أنه قد جعل اللغات على اختلافها حجة إذا كانت هذه اللغات موافقة للقياس، فإن كانت إحداها مخالفة له؛ فهي لغة مردودة مرغوب عنها.
والآخر: أنه قد أوجب على المتكلم أن يختار إحدى اللغتين وهو معتقد أنه الأقوى قياسًا وأن يترك الأخذ بالأخرى وهو معتقد أنها الأضعف من جهة القياس؛ كما نلحظ أن ابن جني يرفض رد إحدى اللغتين بصاحبتها لأنهما متساويتان في قبول القياس لهما؛ ولذلك قال: فأما رد إحداهما بالأخرى فلا.
وقوله:"غاية ما لك في ذلك: أن تتخير إحداهما"، معناه: أن الواجب على المتكلم إذا وجد لغتين يقبلهما القياس: أن يتخير إحدى اللغتين لعدم إمكان الأخذ بهما معًا؛ إذ لا يمكن الجمع بين لغتين في وقت واحد، وضرب ابن جني لذلك مثلًا، وهو: إعمال "ما" وإهمالها؛ فإن للعرب لغتين في ذلك: