فهو يرى أن الأصل لتأذن، فحذف الشاعر اللام الجازمة وأبقى عملها، وكسر حرف المضارعة، وليس الراجز مضطرًا إلى هذا الحذف؛ لتمكنه من أن يقول: إيذن من غير إخلال بالوزن، أو المعنى، فحذف اللام الطلبية وإبقاء عملها إنما هو في البيت من قبيل العمل الاختياري، وليس كما رأى الكثير أن ذلك مقصورٌ على الشعر للضرورة الشعرية. ورفض هذا المذهب كثير من العلماء لأنه يؤدّي إلى أنه ليس في كلام العرب ضرورة؛ إذ لا توجد لفظة إلا يمكن للشاعر تبديلها، ونظم لفظ آخر مكانها، وربّ كلمة يرى الشاعر مفعمة بالمعاني التي تجيش في صدره، صادقة في التعبير عنها مع ما في استعمالها من مخالفة لسنن الكلام الاختيار وقواعد النحاة، ولا يرى ذلك في مرادفاتها مما يُساير سنن الكلام وقواعد النحاة.
ولذلك رأى أبو حيان وغيره أن ابن مالك لم يفهم قول النحويين في ضرورة الشعر؛ فقال في غير موضع:"ليس هذا البيت بضرورة لأن قائله متمكن من أن يقول كذا" ففهم أن الضرورة في اصطلاحهم هي الإلجاء إلى الشيء، وليس كذلك. وقد أبطل الشاطبي مذهب ابن مالك من وجوه، أهمها: إجماع النحاة على عدم اعتبار ذلك المنزع، وعلى إهماله في النظر القياسي جملة، ولو كان معتبرًا لنبَّهوا عليه. والثاني: أن الضرورة عند النحاة ليس معناها أنه لا يمكن في الموضع غير ما ذُكر؛ إذ ما من ضرورة إلا يُمكن أن يعوَّض من لفظها غير هذا اللفظ، ولا ينكر هذا إلا جاحد لضرورة العقل.
هذه الراء في كلام العرب من الشياع في الاستعمال بمكانٍ لا يُجهل، ولا يكاد المتكلم ينطق بجملتين تعريان عنها، وقد هجرها واصل بن عطاء لمكان لُثغته فيها، حتى كان يناظر الخصوم، ويخطب على المنبر، فلا يُسمع في نطقه راء؛ فكان إحدى الأعاجيب حتى صار مثلًا فيها.