هش إِلَى الطعام فكذلك كل من هش إِلَى محبوب لَهُ وَقَدْ كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قدم من سفر فلاحت لَهُ المدينة أسرع السير حبا للوطن ولما خرج من مكة تلفت إليها شوقا وكان بلال يَقُول لعن اللَّه عتبة وشيبة إذا أخرجونا من مكة ويقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل
فنعوذ بالله من الإقبال عَلَى العمل بغير مقتضى العلم والعقل ثم حبسه نفسه عَنْ صلاة الْجَمَاعَة قبيح وأي شيء فِي هَذَا من التقرب إِلَى اللَّه سبحانه إنما هو محض جهل أنبأنا ابْن ناصر نا جَعْفَر بْن أَحْمَدَ السراج نا عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيٍّ بْن أحمد ثنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيّ بْن جهضم ثنا بَكْر بْن مُحَمَّد قَالَ كنت عند أبي الخير النيسابوري فبسطني بمحادثته لي بذكر باديته إِلَى أن سألته عَنْ سبب قطع يده فَقَالَ يد جنت فقطعت ثم اجتمعت به مَعَ جماعة فسألوه عَنْ ذلك فَقَالَ سافرت حتى بلغت اسندرية فأقمت بِهَا اثنتي عشرة سنة وكنت قد بنيت بِهَا كوخا فكنت أجىء إليه من ليل إِلَى ليل وأفطر عَلَى مَا ينفضه المرابطون وإذا حم الكلام عَلَى قمامة السفر وآكل من البردي فِي الشتاء فنوديت فِي سري يا أبا الخير تزعم أنك لا تشارك الخلق فِي أقواتهم وتشير إِلَى التوكل وأنت فِي وسط القوم جالس فقلت إلهي وسيدي وعزتك لا مددت يدي إِلَى شيء مما تنبته الأَرْض حتى تكون الموصل إِلَى رزقي من حيث لا أكون فيه فأقمت اثنى عشر يوما أصلي الفرض وأتنفل ثم عجزت عَنِ النافلة فأقمت اثنى عشر يوما أصلي الفرض والسنة ثم عجزت عَنِ السنة فأقمت اثني عشر يوما أصلي الفرض لا غير ثم عجزت عَنِ القيام فأقمت اثني عشر يوما أصلي جالسا لا غير ثم عجزت عَنِ الجلوس فرأيت أن طرحت نفسي ذهب فرضي فلجأت إِلَى اللَّه بسري وقلت إلهي وسيدي افترضت علي فرضا تسألني عنه وقسمت لي رزقا وضمنته لي فتفضل علي برزقي ولا تؤاخذني بما عقدته معك فوعزتك لأجتهدن أن لا حللت عقدا عقدته معك فَإِذَا بين يدي قرصان بينهما شيء فكنت أجده عَلَى الدوام من الليل إِلَى الليل ثم طولبت بالمسير إِلَى الثغر فسرت حتى دخلت الفرما فوجدت فِي الجامع قاصا يذكر قصة زكريا والمنشار وأن اللَّه تعالى أوحى إليه حين نشر فَقَالَ إن صعدت إِلَى منك أَنَّة لأمحونك من ديوان النبوة فصبر حتى قطع شطرين فقلت لقد كان زكريا صبارا إلهي وسيدي لئن ابتليتني لاصبرن وسرت حتى دخلت أنطاكية فرآني بعض إخواني وعلم أني أريد الثغر فدفع إلي سيفا وترسا وحربة فدخلت الثغر وكنت حينئذ أحتشم من اللَّه تعالى أن أتوارى وراء السور خيفة من العدو فجعلت مَقَامِي فِي غابة