قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وهذا مخالف للشرع فَإِن اللَّه تعالى يقول وتزودوا ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تزود ولا يمكن أن يقال إن هَذَا الآدمي لا يحتاج إِلَى شيء فِي مدة أشهر فَإِن احتاج ولم يتزود فعطب أثم وإن سأل الناس أَوْ تعرض لهم لم يف ذلك بدعوى التوكل وإن أدعى أنه يكرم ويرزق بلا سبب فنظره إِلَى أنه مستحق لذلك محنة ولو تبع أمر الشرع وحمل الزاد كان أصلح لَهُ عَلَى كل حال وأنبأنا أَبُو زرعة طاهر بْن مُحَمَّد بْن طاهر قَالَ أخبرني أبي عَنْ بعض الصوفية أنه قدم عَلَيْهِ من مكة جماعة من المتصوفة فَقَالَ لهم من صحبتم فقالوا حاج اليمن فَقَالَ أوه التصوف قد صار إِلَى هَذَا أَوِ التوكل قد ذهب أنتم مَا جئتم عَلَى الطريقة والتصوف وإنما جئتم من مائدة اليمن إِلَى مائدة الحرم ثم قَالَ وحق الأحباب والفتيان لقد كنا أربعة نفر مصطحبين فِي هَذَا الطريق نخرج إِلَى زيارة قبر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التجريد ونتعاهد بيننا أن لا نلتفت إِلَى مخلوق ولا نستند إِلَى معلوم فجئنا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومكثنا ثَلاثَة أيام لم يفتح لنا بشيء فخرجنا حتى بلغنا الجحفة ونزلنا وبحذائنا نفر من الأعراب فبعثوا إلينا بسويق فأخذ بعضنا ينظر إِلَى بعض ويقول لو كنا من أهل هَذَا الشأن لم يفتح لنا بشيء حتى ندخل الحرم فشربناه عَلَى الماء وكان طعامنا حتى دخلنا مكة.
قلت اسمعوا إخواني إلي توكل هؤلاء كيف منعهم من التزود المأمور به فأحوجهم إِلَى أخذ صدقات الناس ثم ظنهم أن مَا فعلوه مرتبة جهل بمعرفة المراتب ومن عجب مَا بلغني عنهم فِي أسفارهم ما أَخْبَرَنَا به مُحَمَّد بْن أبي القاسم البغدادي نا أَبُو مُحَمَّد التميمي عَنْ أبي عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ بلغني أن أبا شعيب المقفع وكان قد حج سبعين حجة راجلا أحرم فِي كل حجة بعمرة وحجة من عند صخرة بيت المقدس ودخل بادية تبوك عَلَى التوكل فلما كان فِي حجته الأخيرة رأى كلبا فِي البادية يلهث عطشا فَقَالَ من يشتري حجة بشربة ماء قَالَ فدفع إليه إنسان شربة ماء فسقى الكلب ثم قَالَ هَذَا خير لي من حجي لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرٌ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّل بْن عِيسَى نا ابْن أبي الكوفاني ثنا أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن موري الحبوساني نا أَبُو نصر عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيٍّ الطوسي المعروف بابن السراج قَالَ سمعت الوجهي يَقُول سمعت أبا علي الروزباري يَقُول كان فِي البادية جماعة ومعنا أَبُو الْحُسَيْن العطوفي فربما كانت تلحقنا القافلة ويظلم علينا الطريق وكان أَبُو الْحُسَيْن يصعد تلا فيصبح صياح الذئب حتى تسمع كلاب الحي فينبحون فيمر عَلَى بيوتهم ويحمل إلينا من عندهم معونة قلت وإنما ذكرت مثل هذه الأشياء ليتنزه العاقل فِي مبلغ علم هؤلاء وفهمهم للتوكل وغيره