للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْغَيْظَ} وما قال والفاقدين الغيظ والكظم رد الغيظ يقال كظم البعير عَلَى جرته إذا ردها فِي حلقه فمدح من رد النفس عَنِ العمل بمقتضى هيجان الغيظ فمن أدعى أن الرياضة تغير الطباع ادعى المحال وإنما المقصود بالرياضة كسر شرة شهوة النفس والغضب لا إزالة أصلها والمرتاض كالطبيب العاقل عند حضور الطعام يتناول مَا يصلحه ويكف عما يؤذيه وعادم الرياضة كالصبي الجاهل يأكل مَا يشتهي ولا يبالي بما جنى.

الشبهة الخامسة: أن قوما منهم داموا عَلَى الرياضة مدة فرأوا أنهم قد تجوهروا فقالوا لا نبالي الآن مَا عملنا وإنما الأوامر والنواهي رسوم للعوام ولو تجوهروا لسقطت عنهم قالوا وحاصل النبوة تجمع إِلَى الحكمة والمصلحة والمراد منها ضبط العوام ولسنا من العوام فندخل فِي حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة وهؤلاء قد رأوا أن من أثر جوهرهم ارتفاع الحمية عنهم حتى أنهم قالوا أن رتبة الكمال لا تحصل إلا لمن رأى أهله مَعَ النبي فلم يقشعر جلده فَإِن اقشعر جلده فهو ملتفت إِلَى حظ نفسه ولم يكمل بعد إذ لو كمل لماتت نفسه فسموا الغيرة نفسا وسموا ذهاب الحمية الذي هو وصف المخانيث كمال الإيمان وقد ذكر ابْن جرير فِي تاريخه إِلَى الريوندية كانوا يستجلون الحرمات فيدعو الرَّجُل منهم الْجَمَاعَة إِلَى بيته فيطعمهم ويسقيهم ويحملهم عَلَى امرأته.

وكشف هذه الشبهة أنه مَا دامت الأشباح قائمة فلا سبيل إِلَى ترك الرسوم الظاهرة من التعبد فَإِن هذه الرسوم وضعت لمصالح الناس وَقَدْ يغلب صفاء القلب عَلَى كدر الطبع إلا أن الكدر يرسب مَعَ الدوام عَلَى الخير ويركد فأقل شيء يحركه كالمدرة تقع فِي الماء الذي تحته حمأة وما مثل هَذَا الطبع إلا كالماء يجري بسفينة النفس والعقل مداد ولو أن المداد مد عشرين فرسخا ثم أهمل عادت السفينة تنحدر ومن أدعى تغير طبعه كذب ومن قَالَ أني لا أنظر إِلَى المستحسنات بشهوة لم يصدق كيف وهؤلاء لو فاتتهم لقمة أَوْ شتمهم شاتم تغيروا فأين تأثير العقل والهوى يقودهم وَقَدْ رأينا أقواما منهم يصافحون النساء وَقَدْ كان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ المعصوم لا يصافح المرأة وبلغنا عَنْ جماعة منهم أنهم يؤاخون النساء ويخلون بهن ثم يدعون السلامة وَقَدْ رأوا أنهم يسلمون من الفاحشة وهيهات فأين السلامة من إثم الخلوة المحرمة والنظر الممنوع مِنْهُ وأين الخلاص من جولان الفكر الردىء وَقَدْ قَالَ عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عنه لو خلا عظمان نخران لهم أحدهما بالأخر يشير إِلَى الشيخ والعجوز وبإسناد عَنِ ابْن شاهين قَالَ ومن

<<  <   >  >>