وإننا نشك كثيرا في صحة هذه الرواية، وصدق نظرية الصيمري، فإنه لو صح ما قاله، لاهتدى كل إنسان إلى كل لغة على وجه الأرض.
ويمتاز مذهب المحاكاة، بأنه يشرح لنا مبلغ تأثر الإنسان، في النطق بالألفاظ، بالبيئة التي تحيط به، غير أن أهم ما يؤخذ عليه، أنه يحصر أساس نشأة اللغة، في الملاحظة المبنية على الإحساس بما يحدث في البيئة، ويتجاهل الحاجة الطبيعية الماسة غلى التخاطب والتفاهم، والتعبير عما في النفس، تلك الحاجة التي هي من أهم الدوافع إلى نشأة اللغة الإنسانية، فإن الرغبة الذاتية في التعبير، والحاجة الماسة إلى التفاهم، كلاهما من أهم الدوافع، التي يجب أن يعتد بها في نشأة اللغة واضطرار الإنسان الأول للنطق بالألفاظ.
هذا إلى أن هذا المذهب، لا يبين لنا كيف نشأت الكلمات الكثيرة، التي نجدها في اللغات المختلفة، ولا نرى فيها محاكاة لأصوات المسميات، ويتضح ذلك بوجه خاص في أسماء المعاني، كالعدل، والمروءة، والكرم، والشجاعة، وغير ذلك.
وقد دعا هذا النقص، العلامة "هردر" المدافع الأول عن هذه النظرية، إلى العدول عنها في أخريات حياته، كما سخر منها "مكس موللر" Max Muller اللغوي الألماني المشهور. ومع ذلك فإن لأصحاب هذه النظرية، الفضل في أنها فتحت للباحثين، باب البحث الفلسفي في نشأة اللغة، كما أنها لا تبعد كثيرا في إرجاعها نشأة اللغة، في بعض الأحيان، إلى ملاحظة خاصة.