للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١- المدرسة اللغوية البنيوية:

يعد "دي سوسير" من العلماء الأوائل، الذين مهدوا الطريق لهذه المدرسة، في محاضراته بجماعة جنيف "١٩٠٦-١٩١١م" التي جمعها طلابه بعد وفاته سنة ١٩١٣م في كتابه المشهور: "محاضرات في علم اللغة العام" وأصدروه سنة ١٩١٦م بالفرنسية، ثم ترجمة Wade Baskin بعنوان: Course in general Linguistics في عام ١٩٥٩م.

وقد فرق "دي سوسير" بين ما يمكن أن يسمى باللسان La Langue وما يمكن أن يسمى بالكلام La Parole أما اللسان فيقصد به أنواع الأنظمة وأنماط الأبنية، التي تعود إليها منطوقات اللغة. أو هو بعبارة أخرى: نظام من المواضعات والإشارات، التي يشترك فيها جميع أفراد مجتمع لغوي معين، وتتيح لهم من ثمة الاتصال اللغوي فيما بينهم. وأما الكلام، فهو في رأي دي سوسير: كلام الفرد، أو المنطوقات الفعلية نفسها١.

ويتصف اللسان بأنه اجتماعي، وجوهري، ومجرد، ومستقل عن الفرد، بعكس الكلام الذي يتوقف على الإرادة والذكاء عند الفرد٢.

وقد تمكن دي سوسير بذلك من تفسير طبيعة نظام اللغة، والتنوع الفردي للغة. وكان يعتقد أن اللسان -وهو نظام اللغة المقصود "التحتي"- هو الموضوع الصحيح للدراسات اللغوية؛ لأنه يشتمل على أنماط منتظمة، يرغب علماء اللغة البنيويون في اكتشافها ووصفها.

كما بين "دي سوسير" أن كل لسان ينبغي أن يتم تصوره ووصفه على أنه نظام من العناصر المترابطة، على المستويات الدلالية والنحوية والصوتية، لا على أنه تراكم من كيانات قائمة بذاتها. وقد عبر عن نظريته تلك بقوله: "إن اللسان شكل لا مادة". وعلى هذا المدخل البنيوي للغة، يقوم صرح علم اللغة المعاصر بأسره، وهو الذي يسوغ دعوى "دي سوسير" باستقلال علم اللغة، ليصبح علما قائما بذاته٣.


١ انظر: De Saussure Cours ٩ - ١٥.
٢ الألسنية أحدث العلوم الإنسانية ١٠٨.
٣ انظر: R H Robins A Short history ٢٠٠-٢٠١.

<<  <   >  >>