نظرية الاستعداد الفطري. وهي النظرية التي أذاعها اللغوي الألماني:"مكس موللر"، ودعاها نظرية:"دنج دونج" Ding Dong. وخلاصتها أن الإنسان مزود بفطرته، بالقدرة على صوغ الألفاظ الكاملة، كما أنه مطبوع على الرغبة في التعبير عن أغراضه، بأية وسيلة من الوسائل، غير أن هذ القدرة على النطق بالألفاظ، لا تظهر آثارها إلا عند الحاجة، أو في الوقت المناسب.
وحينما سمى "مكس موللر" نظريته هذه، بنظرية "دنج دونج" إنما كان يريد أن يشبه هذه القوة الفطرية، بلولب الساعة الملتف في باطنها، ويشبه حوادث الزمن ببندول الساعة، الذي يتحرك، فيخرج بتحركه القوة الكامنة في الساعة، التي ينطوي عليها اللولب، فالزمن ومقتضيات الأحوال، هي التي تخرج هذه المقدرة من حيز القوة إلى حيز الفعل. وكأن النفس البشرية مخزن ممتلئ بالألفاظ، ينفتح شيئا فشيئا بمفتاح الزمن ومقتضيات الحياة الواقعية.
ولعل الذي دعا "مكس موللر" إلى وضع هذه النظرية، ملاحظة الأطفال، في حياتهم اليومية الحرة، التي تدل على أنهم تواقون إلى وضع أسماء للأشياء، التي يرونها ولا يعروفون لها أسماء، وأنهم يبتكرون أسماء لم يسمعوها من قبل، إرضاء لرغبتهم الفطرية في التكلم والتعبير عن أغراضهم، فاستنبط من ملاحظته هذه أن الإنسان مزود بتلك القوة، التي تنشأ عنها الألفاظ.
وهذه النظرية لا تحل المشكلة، فإن لنا أن نسأل صاحبها: كيف ومتى زود الإنسان بهذه الذخيرة اللغوية؟ وكيف انطوت نفسه على تلك الألفاظ الكاملة؟ وإذا كان قد زود بفطرته بهذه الألفاظ، فلم اختلفت اللغات وتعددت اللهجات؟ فإننا نكاد نجزم بأن آثار القوى الفطرية لا بد أن تكون متحدة إلى حد ما. ثم كيف تسنى للإنسان أن يخرج تلك الألفاظ من مكانها، ويطلقها على المسميات المختلفة؟
فهذه النظرية، تنقل الباحث من مشكلة إلى مشكلات أعمق منها، وأشد غموضا ولبسا. وربما كان من أبرز عيوبها أنها تفترض ظهور الكلمة أو الكلمات الأولى لدى الإنسان، كاملة غير خاضعة لسنة التطور.