أصبح من المسلم به عند اللغويين، أن احتكاك اللغات ضرورة تاريخية، وهذا الاحتكاك يؤدي إلى تداخلها إن قليلا وإن كثيرا، ويكادون يقطعون بأن التطور الدائم للغة من اللغات وهي في معزل عن كل احتكاك وتأثر خارجي، يعد أمر مثاليا، لا يكاد يتحقق؛ ذلك لأن الأثر البالغ، الذي يقع على إحدى اللغات من لغات مجاورة لها، كثيرا ما يلعب دورا هاما في التطور اللغوي، ويترتب عليه نتائج بعيدة المدى، إلى درجة أن بعض العلماء يذهبون إلى القول، بأنه لا توجد لغة متطورة لم تختلط بغيرها.
على أن الاحتكاك بين لغتين متجاورتين، لا يحدث دائما على وتيرة واحدة، في كل الحالات؛ ذلك لأن قوة اللغات ليست واحدة، ومن ثم اختلفت قدرتها على المقاومة، فالألمانية والفرنسية مثلا، لغتان قويتان تستويان في القوة، وبينهما اختلافات لغوية كبيرة، فإذا ما تعرضتا للمنافسة والاحتكاك، كانت المنافسة بينهما، تكاد تكون محصورة في الميدان الاقتصادي وحده، ذلك أن الانتصار الذي تناله إحدى اللغتين، يكون في ميدان المعاملة، أي في صميم الحياة نفسها، فإذا أتيح للألمانية أن تطرد الفرنسية من بعض القرى السويسرية، أو أتيح للفرنسية أن تطرد الألمانية، كان معنى ذلك أن سكان تلك القرى، كانت بأيديهم أداتان متساويتان في الصلاحية والقوة، فاختاروا من بينهما أنفعهما لحاجات أعمالهم ولحياتهم اليومية، ويترتب على هذا الحدود اللغوية، بحسب الجهة التي تفد منها العلاقات الاقتصادية١.