من المسلم به عند اللغويين، أن معظم اللغات الأدبية في العالم، توجد بجانبها مجموعات من اللهجات المحلية، والاجتماعية، واللغات الخاصة. هذه اللغات وتلك اللهجات، تسير كلها جانبا إلى جنب، لا في الأقاليم وحدها، بل في داخل المدن الكبرى أيضا، ففي جميع العواصم الكبرى الراقية، نجد لغات الصالونات الأدبية، ولغات العلماء المثقفين وغيرهم، كما نجد لغات العمال والعاميات الخاصة، التي تتكلم في حواشي المدينة. وقد تختلف هذه اللغات بعضها عن بعض، إلى حد أنه قد يعرف الإنسان إحداها، دون أن يفهم الأخرى.
على أنه من الملاحظ كذلك، أن الإنسان قلما يعيش محصورا في مجموعة اجتماعية واحدة، ولذلك كان من النادر أن تبقى إحدى اللغات، دون أن تنفذ إلى مجموعات اجتماعية مختلفة. ومن المشاهد أن كل فرد يحمل لغة مجموعته، ويؤثر بها على لغة المجموعة المجاورة، التي يدخل فيها، أو يتأثر بلغة هذه المجموعة.
ولتقريب ذلك إلى الأذهان، يضرب لنا اللغويون١، مثلا بأخوين يعيشان معا، ولكنهما يمارسان مهنتين مختلفتين، كل واحد منهما يحتك في موقعه بمجموعات مختلفة، ويأخذ عن أفرادها اللغة بالضرورة، مع عادات التفكير والأعمال والآت المهنة، وبذلك ينشأ في كل يوم من الأخوين،